المناهج الجامعية ضرورة حتمية لمواجهة متطلبات العصر
ا. د متمرس انورحسين عبد الرحمن رئيس الجمعية العراقية للمناهج وطرائق التدريس والتقويم التربوي
يأتي التعليم الجامعي في قمة السلم التعليمي في النظام التربوي لكونه المرحلة المتخصصة التي من ابرز مهامه تلبية احتياجات الامة من الاطر الكفوءة القادرة على الايفاء بمتطلبات خطط البناء والتنمية . ولما كان التعليم الجامعي ضرورة ملحة تستوجبها حركة الامة في العراق في نهضتها الحالية من اجل بناء مستقبلها ومن اجل مواجهة التحدي المصيري التي يواجهها على الصعيد الفكري من جهة والسياسي من جهة اخرى والزيادة المتسارعة في التقدم العلمي والتقني في العالم من جهة ثالثة والجمود الشامل المفروض عليه من جهة رابعة . فان تطويره يتطلب وقفة تقويمية شاملة لكل جوانبه والعوامل المؤثرة فيه وابرز هذه الجوانب اعادة النظر في المناهج الدراسية الحالية وتقويمها وتكمن اهمية المنهج في التعليم الجامعي من خطوة الجامعة ومكانتها كمؤسسة علمية ثقافية تعكس واقع المجتمع الذي تنتمي اليه , تستقي من فلسفته اهدافها وترفده بخبراتها وما توفره من اطر كفوءة لميادين الحياة المختلفة , لذلك فان المنهج الذي تتبناه الجامعة لايبدا من فراغ بل يعتمد فلسفة المجتمع المعبر عنها بالفلسفة التربوية .
وعليه فلا يمكن الفصل بين المناهج والاهداف لان المنهج تبنى في ضوء الاهداف التي هي انعكاس لاهداف المجتمع وان ما تقدمه هذه المناهج من خبرات لاعداد الخرجين وتحديد مستوى كفاءتهم سيؤدي الى تهيئة الاطر البشرية المؤهلة للخطط التنموية القائمة في العراق الجديد وبذلك يجب ان البرامج والمناهج متجددة وتساعد الطلبة على اداء دورهم في المجتمع وعلى الرغم من اهمية التعليم الجامعي واهمية مكوناته من الطالب وعضو هيئة التدريس والجوانب الاخرى فان المناهج تبقى في المقدمة من حيث الاهمية لانه من خلالها يحكم على كفاءة التعليم الجامعي وقدرته على مواجهة الظروف والمشكلات ومكانته في قيادة التطور والاضطلاع لخطط التنمية تخطيطا وتنفيذا وتقويما .
ومن هذا المنطلق حرصت الجامعات العراقية على ان تتبوأ مركز الصدارة بين المؤسسات المجتمعية الاخرى ايمانا من قياديها على انها قادرة على الايفاء بمتطلبات الواقع العراقي الجديد وتسهم في انمائه في عصر يزداد فيه الانفجار السكاني وتتقدم المعرفة العلمية بشكل مذهل يعجز عقل الانسان عن استيعابها بالسرعة فضلا عن نمو امال الشعب وطموحها نحو الحياة الحرة الكريمة مما اثقل التربية بمطلب استعداده وتحمل المسؤولية لاستيعاب المتغيرات وبناء الشخصية الانسانية بما يتلاءم وهذه التطورات .
هذه المطاليب شخصت الانظار الى الجامعات لانها قادرة على توفير المستلزمات التربوية والتعليمية لمواجهة الحياة الجديدة , وان تكون مناهجها قادرة على تحقيق هذه المتطلبات , وهذا ما قاد الى اقبال الجامعات العراقية الى تطوير مناهجها الدراسية وعلى الرغم من ذلك فان المناهج ما زالت تقليدية وفي اطار نظري في الاغلب , وتعد المناهج الدراسية من اكثر عناصر العملية التربوية والتعليمية صعوبة وتعقيدا من حيث التقويم وذلك بسبب عدم ظهور نتائج كفاءتها الابعد حقبة زمنية تتعدى السنوات , وتتصف بانها اكثر جمودا او ركودا ايضا وذلك بسبب المعوقات التي تواجه عملية تقويمها من اجل تطويرها بما يحقق الاهداف التربوية التي وضعت هذه المناهج في ضوئها .
كما ان كفائتها لاتبدو واضحة امام الجهات التربوية المسؤولة الابعد انتقال الطلبة الى مرحلة دراسية اخرى , مما يتيح الفرصة لاجراء عملية التغير الكلي للمناهج او التطوير الجزئي للجوانب التي لم تحقق الاهداف المطلوبة .
ولابد من الاشارة الى ان اساليب التدريس والتقويم التي لايمكن فصلها عن المناهج الدراسية لانها تشكل مجموعة من الوسائل والاساليب ومجموعة من التقنيات المطلوبة للمناهج باختصاصاتها المختلفة ومراحلها المتراكمة لكي يتم التفاعل المطلوب اثناء العملية التعليمية واكتساب الخبرة وتجسيدها عند الدارسين وذلك لان الوظيفة الرئيسية لها هي تنظيم الخبرات في المواقف التعليمية وتمكين الطلبة من استثمارها وممارسة جهودهم الذاتية في التعلم .
والمناهج في الجامعات العراقية اكثر جمودا وركودا وهي بطيئة التغير وذلك لعدة عوامل ابرزها اعتقاد المسؤولين فيها بانها تلتزم بتقاليد خاصة بها والخروج عن هذه التقاليد اضعاف وهدم للعرف الجامعي القائم , وان التقويم يمثل تدخلا في شؤونها .
وان اساليب التدريس والتدريب في التليم الجامعي فالسائد فبها هي المحاضرة التي تتيح لعضو هيئة التدريس ان يكون العنصر الفعال في حين يمثل الطلبة دور التلقي للمعلومات المعرفية وبذلك اتجهت المناهج واساليب تدريسها اتجاها نظريا بحتا .
وعلى الرغم من التطور الذي نالته المناهج في التعليم الجامعي في العراق عبر السنوات السابقة , الاانها لم تبلغ المستوى المطلوب لها في بناء شخصية الطلبة بما يجعلهم قادرين على مواجهة المشكلات والنهوض بخطط لتنمية الامة العرقية الموحدة .
وقد اكدت الدراسات التي اجريت على حركة الاصلاح الجامعي خلال السبعينات حقيقة وهي ان الجامعة من اكثر المؤسسات الاجتماعية محافظة وهي بطيئة في تغير مناهجها الدراسية وبناها الادارية فالتقليد الجامعي عموما منحدرة من العصور الوسطى والاكاديميون ياخذون هذه التقاليد على انها مسلمات لاتحتمل الجدل .
وقد بدات الجامعات في الدول المتقدمة تجتاز حدودها الى ميادين العمل المختلفة لمتابعة كفاءة خريجيها والتشاور مع الخبراء والفنين في تلك الميادين عن الخبرات والمهارات المطلوبة ومستوى الاداء الذي تحتاجه هذه المؤسسات المجتمعية لان ذلك من الامور المهمة والاساسية في تطوير مناهج التعليم الجامعي .
ورغم المحاولات الجادة لمؤسسات التعليم الجامعي الى التعاون مع المؤسسات المجتمعية الاخرى بهدف تطوير التعليم الجامعي بكل مكوناته من جهة وامكانية المساهمة في تطوير تلك المؤسسات بما يحقق فوائد اكثر وافضل للمجتمع من جهة اخرى , الاان تحديد البرامج والمناهج الدراسية وتطبيقاتها التدريسية والمختبرية في الورش الجامعية ومبادئ العمل المختلفة ظلت مسؤولية العاملين واعضاء هيئات التدريس فيها مما ينتج عن ذلك ان تتسم البرامج والمناهج الدراسية في الجامعات العراقية بعدة سمات منها :
1- كثرة مناهج الدراسات النظرية والانسانية واحتلالها مركز الصدارة في غالبية الجامعات العراقية .
2- تتصف مناهج الدراسات التطبيقية والعملية بالنوع التقليدي الرتيب .
3- عدم اعطاء التطبيقات العملية العناية الكافية من حيث توفير مستلزماتها من المختبرات والتجهيزات والاطر البشرية المدربة تدريبا كافيا .
4- ضعف العلاقة بين مناهج التعليم الجامعي واحتياجات خطط التنمية .
5- جمود المناهج الدراسية وعدم مرونتها بالشكل الذي يتيح للطالب حرية الاختبار للمقررات التي يراها تتفق معه .
6- انعدام عملية التقويم للمناهج الدراسية .
ومن العيوب التي تتصف بها مناهج التعليم الجامعي انفصالها عن مناهج التعليم العام وعدم المواءمة المطلوبة بينها من حيث المضمون واساليب التدريس والتدريب والتقويم , وهذا ناتج عن استقلال الاهداف التربوية بكل مرحلة دون ان تكون هناك اهداف موحدة تشتق منها اهداف المراحل بحيث تتواصل مع بعضها تصاعديا , وفي ضوئها يتم تحديد اهداف المواد لكي لايكون فصل في مواد التخصصات العلمية في مرحلة عن مرحلة اخرى فتظهر نتائج هذا الفصل سلبا من خلال انسيابية الطلبة المراحل الاعلى وهم يواجهون ما نسميه بالطفرة من مرحلة الى اخرى وتتمثل هذه الطفرة بصعوبات التكيف النفسي للمرحلة الجديدة والتوافق الدراسي مع محتوى المناهج فيها .
وتبرز هذه الحالة بصورة جلية عند انتقال الطلبة من مرحلة التعليم العام الى مرحلة التعليم الجامعي الاول مما دفع بعض الجامعات ان تعالج الامر انطلاقا من استقلاليتها عن مراحل التعليم الاخرى وذلك بفرض نظام السنة التحضيرية ( التمهيدية ) قبل ان يتم توزيعهم على الكليات والتخصصات المتنوعة فيها .
أسباب ضعف مناهج التعليم الجامعي :
يمكن تشخيص بعض العوامل التي تم رصدها كأسباب لضعف مناهج التعليم الجامعي .
1- ضعف التخطيط التربوي الشامل لكل مراحل التعلم .
2- شعور العاملين في الميدان الجامعي باستقلال الجامعة في بناها الإدارية والتنظيمية ومناهجها الدراسية وأساليب التدريس والتدريب فيها .
3- اهتمام التعليم الجامعي باستيعاب الأعداد الهائلة من الطلبة للدراسة الجامعية مما تأتي هذا على حساب التطوير النوعي .
4- اتجاه الخريجين الحصول على الشهادة أكثر من الاتجاه للحصول على خبرة عملية ميدانية .
لم تكن عملية تطوير المناهج رغبة ذاتية أو مظهرا شكليا تقوم به الأجهزة المعنية بل عملية تفرضها عوامل كثيرة ومتعددة منها حاضرة ومنها في المستقبل , والتطوير لابد إن يتم من تصورات المستقبل والتنبؤ به بناءا على الواقع الحالي وتأصيل الهوية العراقية وعليه فان الجامعة تطالب بـ :
1- أقامة علاقات بينه وبين المجتمع من خلال أقسامها العلمية الذي تمثل خريجيها العناصر الأساسية في مبادئ العمل والاستفادة منهم لتطوير المناهج الدراسية في ضوء ما يعانون من عدم الأعداد الجيد .
2- أن تعمل الجامعات من خلال مناهجها الدراسية التي تتبعها على تحقيق هدفي التجديد والأصالة بدلا من التقليد لحضارة الغرب بما يحقق أعداد خريج يتسم بالقدرة العلمية والخبرة الميدانية .
3- تطوير المناهج الدراسية بما يلبي الاحتياجات الفعلية المستقبلية من الأطر البشرية المؤهلة علميا وفنيا كما وكيفا في الميادين المختلفة .
4- ينبغي أن تحضي مناهج الدراسات التطبيقية أهمية بالقدر الذي تحضى بها الدراسات النظرية مع التأكيد على التربية العملية عند تطوير المناهج بحيث تخلق اتجاها للتصنيع والانتاج الوطني بكافة مجالاته وسبله .
5- أن تتصف مناهج التعليم الجامعي بقدر من المرونة بما يجعلها قابلة للتقويم والتطوير .
6- أثراء مناهج التعليم الجامعي ببرامج تنمية التفكير ألابتكاري والناقد من اجل تنمية القدرات الابداعية وتطويرها .
7- أن يتضمن التعليم الجامعي التركيز على تليم التفكير عند الطالب أي يعلم الطالب أن يتعلم كيف يفكر .