الفصل الأول
فاطمة الزهراء عليها السلام بين الدين وتهذيب المجتمع
تمهيـــــــــــــد
لقد أصبح الحجاب اليوم سيفاً مشهوراً في وجه الطغيان والفساد ، واذا ما حملته المرأة المسلمة بشكل متواصل فانه يعني الإحباط والهزيمة والزوال للمستكبرين ، وشياطين الإنس المفسدين. فالحجاب يعني بالنسبة الى المرأة الاستقـلال الذاتي والعزة والكرامة، وهذه الحقيقة يجب أن تفهمها كل نساء الدنيا.
والحجاب ليس أمراً مفروضاً على إرادة المرأة، بل انه من جملة التشريعات التي تنسجم مع طبيعتها التكوينية التي هي أحوج ما تكون الى الستر والحشمة والعفاف، فهذه الأمور مما تناسب المرأة، وتجعلها تبدو اكثر هيبة وعظمة. ومحافظة على المواهب الطبيعية التي وهبها الخالق عزّ وجلّ لها.
فالحجاب هو من باب حفظ المرأة من التهتك والابتذال والخلاعة والميوعة، وهو لا يمكن ان يتعارض مطلقاً مع دورها الاجتماعي، بل انه يزيد من مسؤوليتها في تحمل أعباء هذه الأدوار، لان الحجاب هو بالنسبة الى المرأة شعار الالتزام بالمبادئ ، ورفض الوقوع في فخّ دعوات الابتذال والفجور والخلاعة ، وصرخة احتجاج تطلقها المرأة ازاء أعداء الإسلام الذين يحاولون تجريدها من مسؤوليّاتها الرسالية لتنشغل في توافه الأمور وسفاسفها. فالحياء يمثل جزءً لا يتجزء من الطبيعة التي فطرت عليها المرأة، وجزءً من كيانها الذاتي. وهذه الحقيقة لا يخالفها إلاّ الإنسان الجاهل، الذي لا يريد الانصياع لنور الحقائق الواضحة .
وليس ثمة مبالغة إن قلنا إن المرأة المسلمة اليوم وبفضل سيرة الزهراء الطاهرة أصبحت مستعدة لأن تضحّي بكل أتعابها وجهودها التي بذلتها خلال دراستها او عملها في سبيل ان تحافظ على كرامتها الإنسانية واستقلالها المتمثل في الحجاب والعفاف والإصرار على العودة الى الذات المصونة ، والفطرة النقية السليمة ، والقيم الإنسانية النبيلة التي رفعت رايتها عالياً أم الرسالة الإسلامية، وربّة النجابة والعفاف، وسيدة الطهر، ومعدن التقوى والعلم والهدى والإيمان؛ ألا وهي الراضية المرضية الزهراء البتول التي لا تتّسع صفحات الكتب لوصفها لأنها الكوثر، وكلمات الله التي لا تنفد، والقمة والذروة والمثال والمقتدى لجميع النساء في العالم، وخصوصا النساء المسلمات اللاتي يجب أن يتخذن من هذه المرأة العظيمة قدوة لهنّ وهنّ يواجهن، ويتصدّين لأعداء الإسلام الذين يحاولون حرفهنّ عن المسيرة التي سارت فيها من قبل الزهراء عليها السلام. وبذلك ستبقى فاطمة الزهراء عليها السلام مدرسة ينهل منها -جيل بعد جيل- كل القيم الرسالية والتعاليم الإسلامية.لذالك تعتبر الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراءعليها السلام النموذج الرسالي الذي هو شمس ساطعة على الامة الاسلامية وهذا لايختلف علية اثنان .
لذا فهي الممثلة لدور المراة النموذ جية والمعبرة عن روح الرسالة المحمدية فهي زوجة مثالية وام لسبطي الامة وعفتها ليس لها مثيل بالاضافة الى ماحباها اللة سبحانة من الخصائص التي لم يخص بها من النساء وهي سيدة نساء العالمين لذا من واجب المراة المتدينة الاقتداء بها والسير على خطاها.
من خطبة للزهراءعليها السلام انها قالت:
فجعل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك، والصلاة تنزيهاً لكم عن الكبر
الاسلام والمراة المتدينة:
اذا اردنا ان نبحث في قضية المراة المتدينة ونتخذها مثلا يقتدى بة كالزهراء علينا ان نقول انهامدعوّة كالرجل إلى التديّن والالتزام بالشريعة ، فتطهر روحياً من كلّ الأرجاس التي تلحق بالإنسان نتيجة عدم التزامه بالدين والطهارة الروحيّة .
فالقرآن الكريم قد أعطى للمرأة كامل الاستقلال والحريّة في شؤونها والتزاماتها الدينية ، ولم يتحدّث عنها بصفتها تابعة لأحد (زوجاً أو غيره) في اُمور الدين والعبادة .
فقبل الزواج تكون المرأة في بيت أبيها وأُمّها ، وبعد الزواج تكون المرأة في بيت زوجها ، وهذان البيتان عبارة عن الجوّ العائلي الذي تنتمي إليه المرأة وتعيش فيه ، وقد يؤثّر وينعكس على دين المرأة ، لذا قال النبي (صلى الله عليه وآله) : "تزوّجوا في الشكاك ولا تزوجوهم ; لأنّ المرأة تأخذ من أدب الرجل ويقهرها على دينه"(1) .
إلاّ أنّ القرآن أراد من المرأة الإنسانة أن تكون مستقلّة عن كلّ أحد في عقائدها ، ولم يقبل منها أيّ نوع من أنواع التبعيّة للغير في أمر التديّن والطهارة الروحية والعقيدة ، وهذا ما نراه في قضية آسية بنت مزاحم زوجة فرعون حيث قال تعالى : {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}(2) .
فآسية بنت مزاحم كانت على دين زوجها فرعون ، ولكن عندما شاهدت البيّنات في معجزة نبي الله موسى (عليه السلام) أمام السحرة آمنت به ، ومع اطلاع فرعون على الأمر نهاها مراراً ، لكنّها أبت إلاّ التمسّك بالدين الإلهي وعارضت الملك والسلطة رغم التهديد بالقتل ، بل ووقوع القتل عليها كما تحدّثنا الروايات من أنّ فرعون وتّد لها أربعة أوتاد وأضجعها على ظهرها وجعل على صدرها رحى واستقبل بها عين الشمس(3) .
فآسية بنت مزاحم قد حافظت على طهارتها الروحيّة ، وتحدّت ضغوط الزوج والسلطة والاغراءات التي كان يتباهى بها فرعون ، بل استصغرت تباهي فرعون حيث كان يقول : {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الاَْنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلاَ تُبْصِرُونَ}(4) ، ولكن آسية جابهت كلّ هذا بإصرارها على قبول الحقّ والبرهان وكانت تقول : {رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ} .
فهذا المثال للمرأة المتديّنة يدلّ على أنّ المرأة التي هي شريكة الرجل في الإنسانية يمكنها أن تصل إلى هذه المرتبة العالية من الطهارة الروحية والتديّن الفعلي ، فتقاوم أشدّ الضغوط عليها في البيت الزوجي ، وقد وردت الروايات الدالّة على مكافأة الله سبحانه لها بعدّة اُمور(5) .
وكما أنّ آسية بنت مزاحم قد تحدّت الضغط العائلي في عقيدتها ودينها ، فإنّ مريم بنت عمران قد تحدّت الضغط الاجتماعي الذي يجرف معه النساء ويحرفهن عن عقيدتهن وتديّنهن بالدين الحقّ ، إلاّ أنّ هذا الضغط الاجتماعي في مخالفة الشريعة لا يكون عذراً للمرأة ، فالدين يُطالب المرأة أن تقاوم كلّ المؤثّرات الاجتماعية السلبية وتحافظ على دينها مهما كلّفها ذلك من ثمن .
فقد كانت البيئة الاجتماعية التي تعيش فيها مريم لا تعتني بالقيم الدينية ، ولا تعتني بالرموز المتصدية لتجسيم تلك القيم كالأنبياء والأوصياء ، حيث كان قتل الأنبياء من أهون الأُمور لديهم ، فقد كانوا يقتلون في اليوم والليلة سبعين نبياً من أنبيائهم ، ثمّ يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون وكأن لم يصدر منهم أيّ ذنب وجريمة ، وقد حدث ذلك أيضاً مع الأنبياء المعاصرين لمريم (عليها السلام) كزكريا ويحيى وعيسى(6) .
وقد كانت تلك البيئة متهتّكة تنتشر فيها الفاحشة والأوبئة الأخلاقية ، حيث مدح الله مريم بأنّها أحصنت فرجها فقال {الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا}(7) ، ومدح الله يحيى بانه {وَسَيِّداً وَحَصُوراً}( .
ومع ذلك فقد ضرب الله لنا مثالاً للمحافظة على العفّة والطهارة والتديّن ، فمن النساء مريم ، ومن الرجال يحيى ، وهذا يدلّ على أنّ الرؤية القرآنية للمرأة
وكما أنّ آسية بنت مزاحم قد تحدّت الضغط العائلي في عقيدتها ودينها ، فإنّ مريم بنت عمران قد تحدّت الضغط الاجتماعي الذي يجرف معه النساء ويحرفهن عن عقيدتهن وتديّنهن بالدين الحقّ ، إلاّ أنّ هذا الضغط الاجتماعي في مخالفة الشريعة لا يكون عذراً للمرأة ، فالدين يُطالب المرأة أن تقاوم كلّ المؤثّرات الاجتماعية السلبية وتحافظ على دينها مهما كلّفها ذلك من ثمن .
فقد كانت البيئة الاجتماعية التي تعيش فيها مريم لا تعتني بالقيم الدينية ، ولا تعتني بالرموز المتصدية لتجسيم تلك القيم كالأنبياء والأوصياء ، حيث كان قتل الأنبياء من أهون الأُمور لديهم ، فقد كانوا يقتلون في اليوم والليلة سبعين نبياً من أنبيائهم ، ثمّ يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون وكأن لم يصدر منهم أيّ ذنب وجريمة ، وقد حدث ذلك أيضاً مع الأنبياء المعاصرين لمريم (عليها السلام) كزكريا ويحيى وعيسى.
ومع ذلك فقد ضرب الله لنا مثالاً للمحافظة على العفّة والطهارة والتديّن ، فمن النساء مريم ، ومن الرجال يحيى ، وهذا يدلّ على أنّ الرؤية القرآنية للمرأة المحافظة على الدين والعبادة حيث ضرب لها كفيلها زكريا من دون الناس حجاباً عندما أدركت وبلغت ، فكانت تعبد الله تعالى ولا يدخل عليها إلاّ زكريا .
فمريم رغم البيئة غير المتديّنة {كَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} ، وقال عنها الله تعالى : {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ}(9).اذن نرى هناان االهوية الانسانية التكامليةهو مايمكن ان نستنبطةمن نصوص القران الكريم والاحاديث الشريفةالتي وردت عن رسول اللة صلى اللة علية والة بخصوص فاطمة الزهراء وهوجانب الكمال في الهوية الانسانية فالاسلام اراد ان يعطي هذة الصورة وهذا الفهم حول هوية المراة في مضمونها وموقعها في مسيرة الحياة الانسانية
نظرة الإسلام للمرأة ودورها في الاسرة
وهكذا نظر القرآن الكريم إلى المرأة على أنّها مستقلّة في مجال الفكر والمعرفة ، فأعطاها استقلالها في المعرفة ، ونظر إليها على أنّها صاحبة رأي وحكمة .
وهذا يمكن معرفته من تجربة بلقيس بنت شرحبيل (ملكة اليمن) ، التي عرض القرآن لنا تجربتها على أنّها تجربة إنسانية قابلة لأن تكون مورداً للتأسي والاقتداء ، وقد نظر القرآن لها بعين الرضى والقبول حيث لم يقابلها بالنقد والتجريح .
فقد كانت حكمة بلقيس قد تجلّت في استشارتها لمجلسها الذي شكّلته من عدد أفراد القبائل التي كانت ساكنة باليمن ، وفي خضوعها للحقّ من دون مكابرة عندما بيّن لها أن الذي يدعوها للدخول في الدين الجديد هو نبي من أنبياء الله تعالى ، فقد قال تعالى على لسان بلقيس : {قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلاَُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ}(10) ، فهي الملكة والأمر أمرها ولكن لم تتخذ قراراً إلاّ بعد التشاور .
يتبيّن دور المرأة في الأُسرة لوظائفها الخاصة من نواحي متعددة :
أولها : أنّها زوجة صالحة ، يسكن إليها الزوج حيث يكون الإيمان بالله والعلم الذي تحصل عليه نتيجة ندب الإسلام إليه ، هما القائدان لها لأن تكون زوجة صالحة في بيت الزوجية يسكن إليها الزوح .
قال الله تعالى : {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْس وَاحِدَة وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا}(11) .
وقال سبحانه : {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}(12) .
فالعلاقة الزوجية هدفها السكن (الاطمئنان) لكلا الطرفين ، فكلّ طرف يجد راحة وسعادة في بيت الزوجية بسبب وجود الآخر .
وكلامنا بما أنّه في الزوجة ، فيجب أن تكون الزوجة صالحة توفّر السكن والاطمئنان للزوج وتسعى لنشر السعادة والهدوء في بيت الزوجية ، فيترقّب منها أن تأتي بكلّ ما من شأنه توفير هذه الحالة .
ومن مميّزات صلاح المرأة أنّها ذات دين تحفظ الزوح إذا غاب عنها في نفسها وماله ، وتسرّه إذا حضر عندها ، وتطيعه إذا أمرها . العمل الشاملة للذكر والاُنثى ، هناك إشارات قرآنية تدلّ على أنّ المرأة بالخصوص لها الحقّ في مزاولة الأعمال خارج نطاق البيت ، فتشارك في الحياة الاجتماعية كالرجل ، ولكن بشرط العفّة وعدم الانزلاق في ما لا يرضى الله نتيجة أعمالها الاجتماعية .
عمل المرأة إذا جاء ضمن حدود الله في الزيّ والعفّة والعلاقات الزوجية :
لإسلام أقرّ عمل المرأة المهني كالرجل ، فهي يجوز لها أن تستثمر طاقتها ووقتها لإغناء المجتمع بالعمل المنتج ، كالتعليم والتمريض والطبّ والجراحة ، وأعمال الخير والتوعية الاجتماعية ، وغيرها . بل هناك واجبات عامة(13 على الأُمّة والمجتمع ، وهي ما تسمّى بالواجبات الكفائية على الأفراد ، إلاّ أنّها واجبات عينية على الأُمّة ، حيث يكون المخاطب بها المجموع ، فتكون المرأة مشمولة بالعمل لهذه الأعمال الواجبة ، وهذا يقتضي أن يعدّ المجتمع (نساءً ورجالاً) للقيام بأعباء الواجبات العامّة من تعليم عليها وإعداد لها مع الستر والعفّة للنساء ، والدليل على ذلك:
1 ـ قوله تعالى : {لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ}(14) ، فدلّت على جواز اكتسابها بالعمل .
2 ـ عموم وإطلاق الأدلّة الأوليّة على إباحة العمل المهني والاجتماعي للإنسان لكسب المال حيث قال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الاَْرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}15) والمشي في مناكب الأرض يراد منه العمل واستخراج الثروة وابتغاء الرزق ، وهذا يشمل كلّ عمل لم يرد فيه تحريم من الشريعة .
دور الأُسرة في المجتمع الإسلامي
أقول هناك نظرتان :
الاُولى : نظرة تقول بعدم الحاجة إلى العائلة ، فلنا أن نعيش حياة إباحية ونكون سعداء بذلك ، ومعنى ذلك : إنّنا نرجّح من يقول بأنّ الحياة الاُسرية هي حياة وضعية اختارها الإنسان وليست حياة طبيعية له ، فعلى هذا ستكون العلاقة الجنسية عامة مشتركة بين الأفراد ، ويعيش الرجل منفصلاً عن المرأة ، وهذا يؤدي إلى وجود دور خاصة للأطفال يقوم أفراد معيّنون بتربيتهم وحضانتهم .
أقول : لم يثبت لحدّ الآن وجود عصر من عصور التاريخ لم يعش فيه الإنسان الحياة العائلية ، فحتى القبائل المتوحشة الموجودة في العصر الحاضر ـ والتي تكون نموذجاً لحياة الإنسان القديم ـ لم تكن العلاقة الجنسية بين الذكور والإناث عامة ، بحيث تعيش المرأة منفصلة عن الرجل .
وهذا إن دلّ على شيء إنّما يدلّ على أنّ المشاعر العائلية عند الإنسان الحاصلة من الزواج وعدم الإباحية هو أمر طبيعي وغريزي ، وليس حاصلاً من التمدّن والحضارات الحديثة .
الثانية : نظرة الإسلام التي ترى أنّ سعادة البشرية تكون في الحياة الزوجية العائلية الطبيعية ، وأنّ المجتمع السعيد بلحاظ الحياة الدنيا ـ وبغض النظر عن مسألة الآخرة ـ هو المجتمع المبني من وحدات صغيرد عائلية متماسكة ، وذلك :
1 ـ لأنّ استقرار الحياة ونظامها يتوقّف في نظر الإسلام على الحياة الزوجية العائلية ، فالنظام العائلي هو النظام الأنجح في تأمين ما يحتاج إليه الإنسان من استقرار ونظمها بأحسن وجه .
2 ـ إنّ الحاجات البشرية ليست كلّها عبارة عن حاجات مادية ، فحتى لو فرضنا أنّ مجتمعاً إباحياً استطاع أن يوفّر الحاجات المادية لكلّ أحد بشكل مستقرّ ، فإنّ هذا لا يكفي لإسعاد البشر ، إذ يوجد جانب روحي في البشر يبقى ضماناً ، وهو جانب السكون النفسي والاُلفة والمحبة والحنان ، فإنّ الزوجة إذا لم تُحِسّ بمن يحنّ عليها فلا تشعر بسعادة ، وكذلك الزوج فضلاً عن الأطفال ، فانّهم إذا لم يُحسوا بالمحبة والحنان يكونوا معقّدين في الحياة ، قال تعالى : {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَات لِّقَوْم يَتَفَكَّرُونَ}(16) .
ولهذا فقد جعل الإسلام النفقة والمسكن واجباً على الزوج ، وهذا الوجوب لا يستفاد منه مزيّة للرجل على المرأة التي تحتاج إلى ذلك غالباً ، بل حتى لو كانت الزوجة غنيّة فمع ذلك يجب على الزوج نفقة الزوجة وتهيئة السكن لها ، وما ذاك إلاّ لأن يشعر الرجل بالمسؤولية وبالارتباط بالحياة الزوجية وتكوين الأُسرة التي تكون مفيدة للطرفين ; لما فيها من الحماية والسكن والاستقرار ، فلو فرضنا أنّ المرأة لا تحتاج إلى نفقة وإلى مسكن ، إلاّ أنّها بلاشكّ بحاجة إلى حماية الزوج لها ، وبحاجة إلى السكن الذي هو استقرار روحي ونفسي لها ، ولانجد هذه الفوائد إلاّ بتكوين الأُسرة المتكوّنة من الزواج .
بالإضافة إلى أنّ الأولاد إذا عاشوا في كنف والديهم فسيكونون قد حصلوا على الضمان الكافي لمعيشتهم عيشة يكون الأبوان محامين عنهم عاملين على سعادتهم ، بخلاف دور الرعاية العامة التي تتعرّض لنقص في الحماية على الأطفال ، مثلاً : إذا مرض الطفل في الأُسرة فإنّ الأبوين سيعملان كلّ ما في وسعهما لإنقاذه من المرض
بعرضه على الطبيب وإجراء العملية الجراحية له إن احتاج إليها ، أمّا الطفل في دور الرعاية فلا توجد تلك الحماية له ; لعدم وجود ذلك الحنان الدافع للحماية التامة .
إذن ، استقرار الحياة ونظامها وحاجات البشر تفرض نظام الحياة الزوجية العائلية ، ثمّ إنّ الإسلام جاء لتنظيم هذه الحياة العائلية على أُسس هي :
1 ـ الإيمان بأنّ الحياة الموحّدة بحاجة إلى قيادة موحّدة ، فلابدّ من قيادة في الحياة الزوجية ، ولهذا فرض الإسلام قيادة الزوج على الزوجة ، ولم يفرض قيادة الأب على البنت وقيادة الأخ على الاُخت ، وهذا دليل على أنّ الإسلام يجعل الاُنثى كاُنثى في عرض الرجل في الحقوق البشرية ، ولهذا جعل القيمومة على الزوجية فقط لصالحها وتدبير اُمورها لخصوصية في الزواج تعفي الزوجة من مسؤولية النفقة وترتيب بيت الزوجية .
ثمّ إنّ إعطاء القيادة بيد الزوج قد تمثّل في اُمور عديدة كلّها بيد الزوج على شكل حتم ، مثل النفقة والطلاق والجماع والمهر ، والاذن أو المنع من الخروج من البيت والرجوع في العدّة وأمثالها .
2 ـ الشهوة الجنسية : إنّ الإسلام باعتباره ديناً واقعياً ينظر إلى حاجات الروح والجسم على حدٍّ سواء ، ولا يقبل بإدخال نقص على جانب على حساب جانب آخر ، ولم يكن من دأبه أن يقضي بعض الحاجات دون بعض . بل إنّه دين فطرة يُلبّي جميع الحاجات بشكل مهذّب من دون إسراف . وعلى هذا الأساس كان على الإسلام أن يُلبّي هذه الحاجة الطبيعية ، وتلبيتها عن طريق الإباحية لم يكن صحيحاً على ما مضى في الأساس الأول ، فلبى الحاجة عن طريق سنّ قانون الزواج .
ولأجل أن يؤكّد الإسلام على الاُسلوب الذي يُلبّي الجانب الروحي والنظام ، ولكي يمنع من مفاسد الشهوة الجنسية لو لم يشبع عن طريق محلل ، ورد التأكيد الشديد على الزواج المبكر فضلاً عن أصل الزواج .
وبما أنّ الشهوة الموجودة عند الرجل تفترق عن الشهوة الموجودة عند المرأة ، حيث تظهر الشهوة عند الرجل بصورة فوران ، أمّا الشهوة عند المرأة فتكون تدريجية ، فلهذا الفرق جعل الإسلام الجماع بيد الزوج . وقد وردت روايات كثيرة تحثّ المرأة على التجاوب مع الرجل ، حيث ذكرت الروايات استحباب أن تلزق المرأة جسمها بجسم الرجل وتطيعه ولو كانت على ظهر قتب .
ملاحظة : بالرغم من أنّ الشروط في ضمن العقود إذا كان متعلّقها مباحاً لا تكون مخالفة للكتاب والسنّة ، فهي ليست من قبيل الالتزام بترك الواجب أو فعل الحرام ، ولكن في خصوص الجماع فإنّ الروايات صريحة في قولها : إذا اشترطت المرأة أن يكون بيدها الجماع والطلاق فإنّها خالفت السنّة ، فكأنّ الرواية ترى أنّ إعطاء حقّ الجماع بيد الزوج هو لإشباع القوامية ، ولوجود مقتضى شديد للزوج . وكذا الأمر في الطلاق ، مع أنّ الجماع والطلاق كلاهما مباحان .
ففي معتبرة محمّد بن قيس عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قضى في رجل تزوّج امرأة وأصدقته هي واشترطت عليه أنّ بيدها الجماع والطلاق؟ قال : "خالفت السنّة ، ووليت حقّاً ليست بأهله ، فقضى أنّ عليه الصداق وبيده الجماع والطلاق(17)
ورغم أنّ شهوة الرجل بحالة الثوران فهو يشبع المرأة جنسياً ، إلاّ أنّ الإسلام أخذ احتياطاته في توصية الرجل ، فأوجب المبيت في كلّ أربع ليالي ليلة واحدة ، وأوجب الجماع في حالات خاصّة كلّ أربعة أشهر مرّة ، إلاّ أن تسقط المرأة حقّها ،
الأول : الصبر على عدم العمل الجنسي كصبر عشرة رجال .
الثاني : المرأة لها قوة عشرة رجال في تقبّل العمل الجنسي ، فهي لها قابلية للعمل الجنسي بقدر عشرة رجال ، ولذتها أيضاً كذلك .
وجعل المداعبة مستحبة ، وأن لا يكون عمله كعمل الحمار ، ويوجد في الروايات حثّ على مجامعة المرأة حينما ترغب ، حتى عبّرت بعض الروايات بأنّ إصابة الأهل صدقة .
3 ـ السكينة : إنّ السكينة هي أساس الاُلفة والمحبة والمودّة ، فحيث إنّ الحياة الزوجية تختلف عن حياة التاجر مع عملائه أو ما شابه ، فإنّ الارتباطات بين صاحب المصنع وعملائه يمكن افتراضها ارتباطات محددة قاطعة ، ولكن الارتباطات بين الزوج والزوجة لم يكن الهدف منها اشباع الحاجات المادية كما في صاحب المصنع مع عملائه ، فلاتثمر إذا كانت ارتباطات محددة قاطعة ، بل الهدف من ارتباطات الزوج والزوجة هي مادية وروحية ، والارتباطات الروحية لا يمكن تلبيتها إلاّ إذا قامت حياة على الاُلفة والمحبة والمودة ، والإسلام لكي يحفظ المودة والاُلفة خطا ثلاثة خطوات :
1 ـ قام الإسلام بتحسيس المرأة اتجاه حقوق الزوج تحت عنوان احترامه وتعظيمه وتبجيله فقال : {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} ليقرّر أنّ الرجل هو أقوى الموجودَين .
2 ـ قام الإسلام بتحسيس الرجل اتجاه المرأة عن طريق ترقيق عواطف الرجل أمام المرأة فقال مثل : "اتقوا الله في الضعيفين ، يعني بذلك اليتيم والنساء"(18) .
"إنماالمرأة لعبة من اتخذها فلايضيّعها"(19) .
"أوصاني جبرائيل بالنساء حتى ظننت أنّه لا ينبغي طلاقها إلاّ من فاحشة مبيّنة"(20) .
الوضع الحالي للمرأة بتأثير البيئة الاجتماعية
والعادات والتقاليد
إنّ ما تقدّم عن موقع المرأة في نظام القيم والحقوق والواجبات في الشريعة الإسلامية في مساواتها للرجل في الوظائف العامة ، قد يشكل عليه بما يراه الفرد من الوضع الحالي للمرأة ، حيث تكون أقلّ كفاءة وأهليّة من الرجل في مجالات الوظائف العامة ، فهل هذه الفروق ذاتية بحيث تجعل جنس الرجل أفضل من جنس المرأة؟
أو تكون كفاءة الرجل أكثر من كفاءة المرأة في الوظائف العامة؟
أو تكون أهلية المرأة للمناصب العامة في الدولة أقلّ من أهلية الرجل لتلك المناصب؟
والجواب على ذلك : ما أشار إليه العلامة شمس الدين : من أنّ هذه الفروق بين جنس الذكر وجنس الاُنثى وإن كانت فروقاً موجودة في الوضع الاجتماعي الذي تعيشه أكثر المجتمعات ، إلاّ أنّها ليست فروقاً ذاتية ، بل هي فروق ناشئة من الظروف التربوية والاجتماعية التي أدّت إلى تكوين ثقافة خاصة بالمرأة جعلتها قاصرة عن تنمية وتطوير المواهب والكفاءات التي تتمتع بها بحسب أصل خلقتها ، فتبدو أقلّ أهلية وأقلّ كفاءة من الرجل في بعض المجالات ، أو تبدوا معدومة الأهلية والكفاءة في مجالات أُخرى .
والحقيقة : أنّ تلك الفروق كانت نتيجة ظروف شاذة جعلت منها مخلوقاً شاذاً ومتدنياً بالنسبة إلى الرجل .
وهذه الظروف الشاذة استمرت دهوراً طويلة بحيث كوّنت قاعدة مزوّرة مثّلت تدنّي المرأة في أصل الخلقة وحقيقة الفطرة .
وإذا أردت معرفة الحقيقة فلاحظ امرأة نشأت في مناخ اجتماعي وتربوي يوفّر ثقافة لها كما يوفّرها للرجل ، وكانت الفرص لها مماثلة لفرص الرجال في الوظيفة العامة للإنسان ، فإنّك ترى أنّ المرأة تحصل على مواهب وكفاءات مماثلة لما عند الرجل في الوظائف العامة .
وإذا عكستَ الأمر فجعلتَ الرجل ينشأ في مناخ اجتماعي وتربوي ينتج ثقافة مماثلة لثقافة المرأة المنكمشة الممنوعة عن الأنشطة الاجتماعية والسياسية والثقافية ، فإن هذا الرجل ينشأ معدوم المواهب والكفاءات أو ضعيفها(21) .
الخلاصة : أنّ المجتمعات الإسلامية قديما قد تأثّرت بعادات وأعراف دخيلة ولقد كان هذا التأكيد البالغ من القرآن الكريم والنبي الأعظم ـ صلى الله عليه وآله ـ على شخصية الزهراء عليها السلام، قد أُريد له فيما أُريد توضيح هذا الجانب; لأن النظرة الجاهلية بكل اشكالها قبل الإسلام، كانت تعتبر المرأة ناقصة في الهوية والكمال، وتعيش في ظل الرجل أما الزهراءـ عليها السلام ـ فإن لوجودها ودورها ـ من خلال نظرة الإسلام وتأكيداته ـ أبعاداً اوسع بكثير من هذا البعد، الذي يمكن أن نراه في شخصية السيدة مريم عليها السلام، من خلال ما تحدث عنها القرآن الكريم، أو نراه في شخصية آسية من خلال ما تحدث عنها القرآن كذلك.
فالزهراءـ عليها السلام ـ حينما يصفها النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ بأنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، على ما ورد عنه صلى الله عليه وآله، يراد من ذلك اعطاء وتقديم الأبعاد المتعددة في هذه الشخصية، ومن ثم اعطاء هذه الادوار المتعددة في شخصية المرأة وحركتها في المجتمع والتاريخ، لأن الزهراء هي المثال الصالح لذلك.
الفصل الثاني
المرأة في الغرب
إنّ وضع المرأة الإنساني والحقوقي في الدول غير الإسلامية كان وضعاً شاذاً وظالماً لعدّة دهور من الناحية الاجتماعية والميدانية ومن الناحية القانونية أيضاً ، ولكن عند ظهور النهضة الاُوربية حصلت مراجعة نقدية شاملة لذلك الوضع الشاذّ وغير العادل ، فتغيّرت المواقف الفكرية والأخلاقية في شأن المرأة ، ومن جملتها وضع المرأة في الأُسرة والمجتمع .
وتفعّلت هذه المواقف بسبب تحوّل المجتمع من الحياة الزراعية إلى الحياة الصناعية ، فتسبّب في الهجرة الواسعة من الأرياف إلى المدن ، فدخلت المرأة سوق العمل ، فتولّدت شعارات تنادي بتحرير المرأة وحقوقها ، وانتشرت بصورة واسعة نتيجة غلبة المجال العسكري للدول الاُوربية على غيرها .
وكان من الواجب العمل على إلغاء كلّ ما يرتبط بنقص المرأة عن الرجل ودونيتها في الإنسانية والكرامة ، وإعطاء حقوقها في تقرير مصيرها وتصرّفاتها وأعمالها ، مع الاحتفاظ بدورها في الأُسرة ، والمحافظة على عفّتها وطهارتها .
إلاّ أن الأمر اتجه لتحريرها من دور الأُسرة وسلب العفّة عنها ، فانتقدوا عملها في البيت كزوجة وأمّ ، واعتبروا أنّ مسؤوليتها في الأُسرة هو مظهر عبوديتها ، ونادوا بضرورة رفع القيود الأخلاقية والقانويية التي تحكم وتنظّم علاقات الرجال والنساء .
وساعدهم على ذلك نموّ الصناعة الذي جذب المزيد من اليد العاملة الرخيصة ، فاجتذبت النساء إلى المعامل ، وعزلت المرأة عن بيتها وأُسرتها ، فلا وقت عندها لتوفير الحدّ الأدنى من السكن للزوج وللأولاد ولها أيضاً ، مع اختلاط بلا حدّ بالرجال الأجانب ، مع دعوة إلى تحرير الجسد من القيود الأخلاقية والدينية في المجال الجنسي .
فأدّت هذه الحركات التحريرية في الغرب إلى خلط الغث بالسمين والفاسد بالصالح ، فجعلت المرأة دمية للرجل يستغلها في المعمل ويستمتع بها جنسيّاً باسم التحرّر وإن حصلت على بعض حقوقها في الحياة المعاصرة من عمل وعلم ومشاركة ، إلاّ أنّها فقدت قيمتها وشرفها وطهارتها واُسرتها وسكنها ، فهي زوجة ولكن لا تهتم باُمور الأُسرة والأولاد ، ولا تهتم بالسكن الذي جعله الله لها نتيجة الحياة الزوجية . كما أجازوا لها أن ترافق خليلاً معها تنجب منه الأطفال من غير زواج شرعي ، وما إلى ذلك من اُمور باسم التحرّر .
وعلى هذا فيمكن لنا أن نقول : لقد حوّلوا المرأة من ظلم كانت تعاني منه إلى ظلم آخر أشدّ من الأول باسم تحريرها وإعطاء حقوقها .
وبعبارة أُخرى : أرادوا ـ ولا زالوا يحاولون ـ مساواتها بالرجل في كلّ شيء ، ولا يعبأ بالفوارق الجسمية ـ الفسلجية والسيكولوجية ـ الثابتة بين الرجل والمرأة .
ونحن إذ نقرّ لهم بمساواة المرأة للرجل من الناحية الإنسانية والحقوق الفطرية التي يهدي إليها الدين ، إلاّ أننا كمسلمين وكبشر أيضاً نخالفهم في المساواة الجسدية ، إذ نؤمن ككلّ فرد واقعي بوجود الفوارق الجسمية التي تقتضي تقسيم العمل بنحو ينسجم مع الفرق بحسب الخلقة ، وإلاّ فإذا نظرنا إلى المساواة في كلّ شيء ، فإنّ النتيجة ستكون تردي الحالة النفسية والأخلاقية للمرأة حتماً .
نظرة الغرب السلبية للمرأة المسلمة وردّها
1 ـ يصوّر أنصار حقوق المرأة في الإعلام الخارجي صوراً فكاهية للمرأة وهي تكره العائلة ، كما أنّها تكره الرجل ، بل تمتعض من الجنس .
2 ـ أما الإعلام الشعبي فيصوّر المناصرون للمرأة وهم يحتقرون النساء اللاتي يتجهنّ بكل وقتهن لممارسة أدوار الاُمهات وربّات المنازل .
3 ـ كما يصوّر الكاريكاتور الغربي "المرأة المسلمة وهي ترتدي الحجاب" على أنّه وصمة عار .
4 ـ كما يصوّر الكاريكاتور الغربي "المرأة المسلمة وهي ترتدي الحجاب" على أنّها كائنة مضطهدة ، لا تملك أيّ وسيلة للتعبير عن نفسها بحرية .
5 ـ كما إنّ الغرب يفهم من قوامية الرجل على زوجته ، التقليل من شأن المرأة ، واتخاذها مادة هزيلة لأغراض الرجل .
أولاً : يرد على الفقرة الاُولى عدّة ملاحظات :
أ ـ أثبتت الأبحاث الطبية والنفسية والاجتماعية والعلمية أنّ الرغبة الجنسية هي حاجة طبيعية يجب إشباعها ، وليس من الصحيح كبتها ، وليس من الصحيح أن يصوّر الإنسان الذي يسعى لأجل إشباعها على أنّه رجل منحرف وشيطان .
وعلى هذا ليس من يسعى إلى تأمين ما يحتاج إليه من جنس يكون مرتكباً للكبائر من الذنوب أو متّجهاً إلى القذارة والانحطاط ، بل يكون متّجهاً للشفاء من الكآبة والاضطرابات العقلية الحادة ، لذا فقد وردت الآثار الشرعية الكثيرة الحاثّة على الزواج وجعلته إحرازاً لنصف الدين ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : "من تزوّج فقد أحرز نصف دينه" وقال الكليني : (وفي حديث آخر) "فليتق الله في النصف الآخر"(22) .
وقد كتبت المتخصّصة في علم النفس "إيفاهنريت مون" : بأنّه حتى حينما يكون مزاج المرء سيئاً وحينما تكون العلاقة بين الأبوين ليست على ما يرام ، فإنّ على الأبوين أن يحاولا ممارسة الجنس ; لأنّ ذلك سيساهم بنسبة ما في بناء محيط دافيء ، ليبدّل العلاقة الباردة والمرّة بأُخرى أحلى وأكثر دفئاً(23) .
إذن الجنس فعل إيجابي يجب التشجيع على ممارسته ، والإرشاد إليه عن طريق الهدي الرباني .
ب ـ إنّ هذه الرغبة الجنسية هي ثنائية المصدر ، أي أنّها حاجة طبيعية من الجانبين ، فليس الرجل هو يحتاج إلى هذه العملية دون المرأة ، ولا المرأة تحتاج إليها دون الرجل ، وهذا أمر واضح ، اذن الحاجة من الاثنين .
وهي حاجة طبيعية مستمرة ، لذا تبنّى البشر على طول التاريخ مؤسسة الأُسرة ـ العائلة ـ لأنّه يستطيع كلا الطرفين إلى إشباع حاجاتهما العاطفية والمادية والجنسية عن طريق الأُسرة ـ العائلة ـ التي تعيش انسجاماً قلبياً في ظلّ ظروف بهيجة ، تزداد ازدهاراً مع حفظ العفّة .
وهكذا دعا الإسلام إلى الحياة الاُسرية من طريق الزواج ، خلافاً للإباحيين والشيوعيين الذين يستهينون بالقيم الاُسرية ،
الدور السياسي للمرأة
الدور السياسي الخاص الذي يمكن أن تقوم به المرأة في المجتمع الاسلامي، فلقد أُريد من المرأة أن تدخل العمل السياسي، وتمارس هذا الدور المهم في الاعمال السياسية وفي المجتمعات الانسانية. المرأة في هذا المجال كالرجل، تتحمل المسؤوليات الخاصة في خدمة المجتمع والتضحية من أجله، والجهاد في سبيل الله تعالى وفي البذل والعطاء إلى حد الاستشهاد في سبيل الله تعالى، فلابد للمرأة أن تقوم بهذا الدور أداءاً للواجب والتكليف، حسب القانون الالهي والاحكام الشرعية التي وضعها الشارع المقدس لها، وهو من الادوار التي فتحت أمام المرأة في حركتها(24)
إن تضحية الزهراءـ عليها السلام ـ كانت من اجل نصرة امامة الامام علي عليه السلام، وترسيخ مبدأ الولاية، والدفاع عن هذا الحق الذي أُريد له أن يثبت في التاريخ ويستمر، وإن لم يحصل ـ عليه السلام ـ على موقعه المطلوب منذ اليوم الأول، فنجد الزهراء ـ عليها السلام ـ تبادر إلى هذا الدور، وتنهض به بأفضل ما يمكن أن يؤديه الإنسان، في ظرف حساس يمكن لنا أن نقول إنه لم يكن من الممكن لغير الزهراءـ عليها السلام ـ أن يقوم فيه.
ومع وقفة عند هذه النصوص الواردة عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ في الزهراء، مثل قوله: ((إن الله يغضب لغضب فاطمة))، يتبين لنا أن الله سبحانه وتعالى قدّر في قضائه وقدره، أن فاطمة الزهراءـ عليها السلام ـ سوف تمر بأوضاع سياسية واجتماعية تثار فيها الزهراء، وتغضب لله تعالى لا لنفسها، ولذلك يغضب الله تعالى لغضبها ويرضى سبحانه وتعالى لرضاها عليها السلام.
وعلى خطى الزهراء ـ عليها السلام ـ كان دور المرأة في الثورة الحسينية، باعتبار أن الثورة الحسينية ـ كما هو معروف ـ مثلت القمة في التضحية والفداء والبذل والعطاء في حركة الانسان السياسية والاجتماعية. وقد شاركت المرأة الرجل مشاركة فعالة في كل الأدوار التي قام بها في الثورة الحسينية، وكان لهذا الدور خمسة أبعاد هي: البعد القتالي، والبعد السياسي، والبعد الاعلامي، والبعد الانساني، والبعد الاخلاقي والمعنوي العام، وهي ابعاد رئيسية ومهمة نهضت بها المرأة في هذه الثورة الخالدة.
إذن المرأة يمكنها في تفاصيل حياتنا الفعلية الحاضرة أن تقوم بالكثير من الادوار الهامة، في هذه المعركة الجهادية وفي صراعنا الذي نخوضه كمسلمين ضد الطغيان والكفر العالمي، وضد الاستكبار والاستبداد.
فيمكن للمرأة أن تساهم مساهمة فعالة وحقيقية في الفعاليات الجهادية طبقاً للاحكام الشرعية، وضمن المواصفات الشرعية التي حددتها الشريعة الاسلامية المقدسة، مع ملاحظة أن قسماً من هذه الاعمال يتحملها الرجل وحده، في حين أن هناك اعمالاً تتحملها المرأة وحدها، واعمال اخرى يتحملها الاثنان.
الدور الرابع : دور المرأة في الاسرة
إن النظرية الاسلامية في فهمها للمجتمع الانساني ورؤيتها لتركيبته العامة، ترى أن اللبنة الاساسية في هذا البناء الاجتماعي والتي تشكل الوحدة المركزية فيه هي الأسرة.
النظرية الاسلامية ترى أن الاسرة تمثل وحدة رئيسية ومركزية في بناء المجتمع، ولا يمكن أن يبنى المجتمع الصالح ويتكامل دون أن تبنى الاسرة الصالحة، ومن هنا نجد أن الإسلام طالما أكد على اهمية دور الاسرة في المجتمع، على خلاف رؤية المجتمعات والحضارة الغربية، التي لا ترى للاسرة مثل هذا الدور المهم في بناء المجتمع وقوته وتكامله.
فالاسلام يرى أن قوة الاسرة وصلاح الاسرة وتماسكها وتكاملها واتصافها بالمواصفات المطلوبة، هي التي تمكنها من أن تحول المجتمع إلى مجتمع صالح متكامل. ولا شك أن الزوجة الام تمثل الركن الرئيس في الاسرة وبنائها، إن لم نقل الركن الاهم في هذا البناء من الناحية الداخلية والذاتية. ولعل هذا هو السر في التركيز الخاص على شخصية الزهراء ـ عليها السلام ـ في تفاصيل دورها في الاسرة.
وفي هذا المجال أود أن انبّه لنقطة مهمة جداً في شخصية الزهراءـ عليها السلام ـ لم توجد في غيرها من النساء الصالحات اللاتي تحدث عنهن القرآن الكريم، وتحدث عنهن الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله، من قبيل آسية ومريم بنت عمران ـ عليها السلام ـ التي لم تحصل لها ظروف اسرة كاملة، كما لم تحصل لآسيا زوجة فرعون ظروف اسرة كاملة وصالحة في حركتها، حيث كانت زوجة لكن لم يكن لها اولاد، وكانت زوجة لكنها زوجة لطاغية، ولم تكن قادرة على أن تعبر عن تلك العلاقة القوية في إحكام الاسرة وعلاقات الاسرة وبنائها.
وأما خديجةـ عليها السلام ـ فقد كان لها دور الاسرة، فهي زوجة لرسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ وأم لذريته; لأنها أم الزهراء ـ عليها السلام ـ فهي تشبهها من هذه الناحية ، ولكن الزهراءـ عليها السلام ـ امتازت على أمها خديجة بالأدوار الاخرى التي مارستها في حياتها، والتي استطاعت أن تحفظ في شخصيتها قضية الموازنة بين هذه الادوار، والموازنة غاية في الأهمية بالنسبة لحركة المرأة.
فبعض النسوة قد يوفقن لأن ينهضن بدور مهم في الجانب الاول، أو في الجانب الثاني في العبادة وفي جهاد النفس والقيام بالاعمال الصالحة، ثم الوصول إلى الكمالات العالية، وقد يكون لهن دور مهم في الجانب الثالث، في الرعاية المنزلية وفي ترتيب وضع الاسرة وجعلها اسرة قوية صالحة، والبعض منهن يكون دورهن الكبير في موضوع التضحية والفداء، لكن الجمع
بين كل هذه الادوار، وايجاد حالة الموازنة بين هذه الاعمال وهذه الادوار هي قضية هامة جداً، وفي فهمنا للدور الكامل للمرأة أنه كلما تمكنت المرأة من أن تقترب في صورتها النموذجية، التي تكون الزهراءـ عليها السلام ـ فيها قدوتها وأسوة لها في هذه الحركة التكاملية، تمكنت من أن تقترب من حالة المحافظة على هذه الموازنة، بمعنى أن تكون لها مساهمة فعالة في كل هذه الادوار، وتكون المرأة في صورتها أقرب إلى الكمال نحو الزهراء عليها السلام، وكلما ابتعدت عن هذه الموازنة كانت بعيدة عن حالة الكمال.
أقول ربما لا تتهيأ للمرأة فرص أن تمارس الدور الرابع (دور الأسرة); لأن هذا الدور من الأمور التي لا تكون دائماً في اختيار المرأة، فربما لا تتزوج المرأة، أو تتزوج ولا يكون لها أولاد، وربما لسبب ما لا يكون الزواج ناجحاً، وغير ذلك مما يمكن ألاّ يكون في اختيار المرأة وقدرتها، ولذلك فأنا اشير إلى الحالة الغالبة، وهي أن المرأة عندما تكون في دور الاسرة، يكون أمامها فرص أُخرى مهيأة، كما كان الامر بالنسبة للزهراءـ عليها السلام، فهي ربة بيت تطحن الحنطة في بيتها وتنظف البيت، وهي في نفس الوقت المرأة العالمة الفاضلة التي كانت قادرة على تعليم الناس، فلم تطلب مثلاً جارية لتدبير امور المنزل، لتقول مثلاً أريد أن اتفرغ للعلم والتعليم، وإنما عبرت عن هذا الجانب في كمالها في حفظ الموازنة بين ادارة البيت والعلم ، وكما عبرت عن ذلك في عبادتها وزهدها وتواضعها، وفي مساهماتها في العمل الاجتماعي والسياسي العام.
ربما لا تتهيأ فرصة للعمل الاجتماعي لبعض النساء، أو لا تتهيأ لها فرصة للعمل الجهادي، فيكون الاهتمام في الجانب الاجتماعي أو في العمل الثقافي أو العمل العبادي حسب الفرص المتاحة لها. المهم للمرأة أن تسعى لاستثمار الفرصة الحاصلة من خلال الإمكانات الموجودة، وأن تواكب في حركتها التكاملية هذه الفرص، وتوازن بين هذه الأدوار الأربعة التي ذكرتها؛ لأجل أن تكون امرأة كاملة في هذه الحركة.
إذاً المرأة في شخصيتها وفي هويتها هي شخصية كاملة وجسدت هذا الكمال وعبّرت عنه. وانطلاقاً من هذا الفهم لشخصية المرأة في الحياة الانسانية، يمكن أن نقول بأن المرأة تتحمل المسؤوليات العامة في المجتمع الانساني، كما يتحملها الرجل على حد سواء. وقد يختلف الحال في تقسيم الادوار، فيكون لشخص ما دور ما ولشخص آخر دور آخر وهكذا، لكن من حيث الاساس في حركة المجتمع تكون الواجبات واجبات مشتركة، ولذلك كانت الواجبات العامة، كالصلاة والصوم والحج والزكاة وغيرها من الواجبات العامة ، التي يؤكد الحديث الشريف على أنها اركان الإسلام، ومما قام عليها الإسلام، يتساوى فيها كل من الرجل والمرأة، فكما تجب الصلاة على الرجل تجب على المرأة ايضاً، وكما وجبت الزكاة على الرجل وجبت على المرأة. لقد اراد الله تبارك وتعالى لهذا الانسان أن يتحرك باتجاه الكمالات المطلقة، التي يتصف
بها الله سبحانه وتعالى. وبطبيعة الحال لا يمكن للانسان أن يصل إلى ذلك الكمال المطلق، وإنما أُريد له أن يتحرك باتجاه ذلك الكمال، باتجاه العلم لأجل أن يكون في صراط العلم الالهي الكامل، وأُريد له أن يتحرك باتجاه الجود وفي طريق الاحسان والخير، وباتجاه كل ما يوصله للكمالات الالهية من خلال الخلوص في العبودية لله سبحانه وتعالى، كما يبيّن ذلك القرآن الكريم: (وما أُمروا إلاّ ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ولقد مثلت الزهراء عليها السلام كل الكلام الذي تقدم في بحثنا هذا وهي التي كانت معبرة عن اصدق معاني الاخلاق في التربية ووضعت اثار في تربية مجتمع لم يعرف ها ويشعر بفقدانها الا بعد مرور اجيال واجيال
فسلام عليها يوم ولدت ويوم رحلت تشكو للة مافعل القوم بها من اسقاط جنينها وكسر ظلعها ويوم تبعث لتشفع لشيعتها ومحبيها فياليتنا كنا من اولئك .......
المصـــــــــــــــــــــــــادر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـوسائل الشيعةـــمحمد بن الحسن الحر العاملي. ج /14باب 11الحديث /2طبعة ايران 1400هجري
2ـسورة التحريم/
3ـتفسير الميزان للعلامة الطبطبائي ج/19/ص346بيروت 2003
4ـالزخرف /اية51
5ـالعلامة الطبرسي مجمع البيان /ج9ص479
6ــ تفسير الميزان للعلامة الطبطبائي/ج14ص28و29
7ـالتحريم/اية12
8ـال عمران /اية39
9ـال عمران/اية43
10ـالنمل/اية32
11ـالاعراف/اية189
12ـالروم/اية 21
13ـ الدفاع عن الدين الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
14ـالنساءـاية 32
15ـالمللك/اية 15
16ـالروم/اية21
17ـوسائل الشيعة/للحر العاملي ج15باب29من المهور حديث واحد
18وسائل الشيعة/ج14باب86 حديث2
فاطمة الزهراء عليها السلام بين الدين وتهذيب المجتمع
تمهيـــــــــــــد
لقد أصبح الحجاب اليوم سيفاً مشهوراً في وجه الطغيان والفساد ، واذا ما حملته المرأة المسلمة بشكل متواصل فانه يعني الإحباط والهزيمة والزوال للمستكبرين ، وشياطين الإنس المفسدين. فالحجاب يعني بالنسبة الى المرأة الاستقـلال الذاتي والعزة والكرامة، وهذه الحقيقة يجب أن تفهمها كل نساء الدنيا.
والحجاب ليس أمراً مفروضاً على إرادة المرأة، بل انه من جملة التشريعات التي تنسجم مع طبيعتها التكوينية التي هي أحوج ما تكون الى الستر والحشمة والعفاف، فهذه الأمور مما تناسب المرأة، وتجعلها تبدو اكثر هيبة وعظمة. ومحافظة على المواهب الطبيعية التي وهبها الخالق عزّ وجلّ لها.
فالحجاب هو من باب حفظ المرأة من التهتك والابتذال والخلاعة والميوعة، وهو لا يمكن ان يتعارض مطلقاً مع دورها الاجتماعي، بل انه يزيد من مسؤوليتها في تحمل أعباء هذه الأدوار، لان الحجاب هو بالنسبة الى المرأة شعار الالتزام بالمبادئ ، ورفض الوقوع في فخّ دعوات الابتذال والفجور والخلاعة ، وصرخة احتجاج تطلقها المرأة ازاء أعداء الإسلام الذين يحاولون تجريدها من مسؤوليّاتها الرسالية لتنشغل في توافه الأمور وسفاسفها. فالحياء يمثل جزءً لا يتجزء من الطبيعة التي فطرت عليها المرأة، وجزءً من كيانها الذاتي. وهذه الحقيقة لا يخالفها إلاّ الإنسان الجاهل، الذي لا يريد الانصياع لنور الحقائق الواضحة .
وليس ثمة مبالغة إن قلنا إن المرأة المسلمة اليوم وبفضل سيرة الزهراء الطاهرة أصبحت مستعدة لأن تضحّي بكل أتعابها وجهودها التي بذلتها خلال دراستها او عملها في سبيل ان تحافظ على كرامتها الإنسانية واستقلالها المتمثل في الحجاب والعفاف والإصرار على العودة الى الذات المصونة ، والفطرة النقية السليمة ، والقيم الإنسانية النبيلة التي رفعت رايتها عالياً أم الرسالة الإسلامية، وربّة النجابة والعفاف، وسيدة الطهر، ومعدن التقوى والعلم والهدى والإيمان؛ ألا وهي الراضية المرضية الزهراء البتول التي لا تتّسع صفحات الكتب لوصفها لأنها الكوثر، وكلمات الله التي لا تنفد، والقمة والذروة والمثال والمقتدى لجميع النساء في العالم، وخصوصا النساء المسلمات اللاتي يجب أن يتخذن من هذه المرأة العظيمة قدوة لهنّ وهنّ يواجهن، ويتصدّين لأعداء الإسلام الذين يحاولون حرفهنّ عن المسيرة التي سارت فيها من قبل الزهراء عليها السلام. وبذلك ستبقى فاطمة الزهراء عليها السلام مدرسة ينهل منها -جيل بعد جيل- كل القيم الرسالية والتعاليم الإسلامية.لذالك تعتبر الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراءعليها السلام النموذج الرسالي الذي هو شمس ساطعة على الامة الاسلامية وهذا لايختلف علية اثنان .
لذا فهي الممثلة لدور المراة النموذ جية والمعبرة عن روح الرسالة المحمدية فهي زوجة مثالية وام لسبطي الامة وعفتها ليس لها مثيل بالاضافة الى ماحباها اللة سبحانة من الخصائص التي لم يخص بها من النساء وهي سيدة نساء العالمين لذا من واجب المراة المتدينة الاقتداء بها والسير على خطاها.
من خطبة للزهراءعليها السلام انها قالت:
فجعل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك، والصلاة تنزيهاً لكم عن الكبر
الاسلام والمراة المتدينة:
اذا اردنا ان نبحث في قضية المراة المتدينة ونتخذها مثلا يقتدى بة كالزهراء علينا ان نقول انهامدعوّة كالرجل إلى التديّن والالتزام بالشريعة ، فتطهر روحياً من كلّ الأرجاس التي تلحق بالإنسان نتيجة عدم التزامه بالدين والطهارة الروحيّة .
فالقرآن الكريم قد أعطى للمرأة كامل الاستقلال والحريّة في شؤونها والتزاماتها الدينية ، ولم يتحدّث عنها بصفتها تابعة لأحد (زوجاً أو غيره) في اُمور الدين والعبادة .
فقبل الزواج تكون المرأة في بيت أبيها وأُمّها ، وبعد الزواج تكون المرأة في بيت زوجها ، وهذان البيتان عبارة عن الجوّ العائلي الذي تنتمي إليه المرأة وتعيش فيه ، وقد يؤثّر وينعكس على دين المرأة ، لذا قال النبي (صلى الله عليه وآله) : "تزوّجوا في الشكاك ولا تزوجوهم ; لأنّ المرأة تأخذ من أدب الرجل ويقهرها على دينه"(1) .
إلاّ أنّ القرآن أراد من المرأة الإنسانة أن تكون مستقلّة عن كلّ أحد في عقائدها ، ولم يقبل منها أيّ نوع من أنواع التبعيّة للغير في أمر التديّن والطهارة الروحية والعقيدة ، وهذا ما نراه في قضية آسية بنت مزاحم زوجة فرعون حيث قال تعالى : {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}(2) .
فآسية بنت مزاحم كانت على دين زوجها فرعون ، ولكن عندما شاهدت البيّنات في معجزة نبي الله موسى (عليه السلام) أمام السحرة آمنت به ، ومع اطلاع فرعون على الأمر نهاها مراراً ، لكنّها أبت إلاّ التمسّك بالدين الإلهي وعارضت الملك والسلطة رغم التهديد بالقتل ، بل ووقوع القتل عليها كما تحدّثنا الروايات من أنّ فرعون وتّد لها أربعة أوتاد وأضجعها على ظهرها وجعل على صدرها رحى واستقبل بها عين الشمس(3) .
فآسية بنت مزاحم قد حافظت على طهارتها الروحيّة ، وتحدّت ضغوط الزوج والسلطة والاغراءات التي كان يتباهى بها فرعون ، بل استصغرت تباهي فرعون حيث كان يقول : {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الاَْنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلاَ تُبْصِرُونَ}(4) ، ولكن آسية جابهت كلّ هذا بإصرارها على قبول الحقّ والبرهان وكانت تقول : {رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ} .
فهذا المثال للمرأة المتديّنة يدلّ على أنّ المرأة التي هي شريكة الرجل في الإنسانية يمكنها أن تصل إلى هذه المرتبة العالية من الطهارة الروحية والتديّن الفعلي ، فتقاوم أشدّ الضغوط عليها في البيت الزوجي ، وقد وردت الروايات الدالّة على مكافأة الله سبحانه لها بعدّة اُمور(5) .
وكما أنّ آسية بنت مزاحم قد تحدّت الضغط العائلي في عقيدتها ودينها ، فإنّ مريم بنت عمران قد تحدّت الضغط الاجتماعي الذي يجرف معه النساء ويحرفهن عن عقيدتهن وتديّنهن بالدين الحقّ ، إلاّ أنّ هذا الضغط الاجتماعي في مخالفة الشريعة لا يكون عذراً للمرأة ، فالدين يُطالب المرأة أن تقاوم كلّ المؤثّرات الاجتماعية السلبية وتحافظ على دينها مهما كلّفها ذلك من ثمن .
فقد كانت البيئة الاجتماعية التي تعيش فيها مريم لا تعتني بالقيم الدينية ، ولا تعتني بالرموز المتصدية لتجسيم تلك القيم كالأنبياء والأوصياء ، حيث كان قتل الأنبياء من أهون الأُمور لديهم ، فقد كانوا يقتلون في اليوم والليلة سبعين نبياً من أنبيائهم ، ثمّ يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون وكأن لم يصدر منهم أيّ ذنب وجريمة ، وقد حدث ذلك أيضاً مع الأنبياء المعاصرين لمريم (عليها السلام) كزكريا ويحيى وعيسى(6) .
وقد كانت تلك البيئة متهتّكة تنتشر فيها الفاحشة والأوبئة الأخلاقية ، حيث مدح الله مريم بأنّها أحصنت فرجها فقال {الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا}(7) ، ومدح الله يحيى بانه {وَسَيِّداً وَحَصُوراً}( .
ومع ذلك فقد ضرب الله لنا مثالاً للمحافظة على العفّة والطهارة والتديّن ، فمن النساء مريم ، ومن الرجال يحيى ، وهذا يدلّ على أنّ الرؤية القرآنية للمرأة
وكما أنّ آسية بنت مزاحم قد تحدّت الضغط العائلي في عقيدتها ودينها ، فإنّ مريم بنت عمران قد تحدّت الضغط الاجتماعي الذي يجرف معه النساء ويحرفهن عن عقيدتهن وتديّنهن بالدين الحقّ ، إلاّ أنّ هذا الضغط الاجتماعي في مخالفة الشريعة لا يكون عذراً للمرأة ، فالدين يُطالب المرأة أن تقاوم كلّ المؤثّرات الاجتماعية السلبية وتحافظ على دينها مهما كلّفها ذلك من ثمن .
فقد كانت البيئة الاجتماعية التي تعيش فيها مريم لا تعتني بالقيم الدينية ، ولا تعتني بالرموز المتصدية لتجسيم تلك القيم كالأنبياء والأوصياء ، حيث كان قتل الأنبياء من أهون الأُمور لديهم ، فقد كانوا يقتلون في اليوم والليلة سبعين نبياً من أنبيائهم ، ثمّ يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون وكأن لم يصدر منهم أيّ ذنب وجريمة ، وقد حدث ذلك أيضاً مع الأنبياء المعاصرين لمريم (عليها السلام) كزكريا ويحيى وعيسى.
ومع ذلك فقد ضرب الله لنا مثالاً للمحافظة على العفّة والطهارة والتديّن ، فمن النساء مريم ، ومن الرجال يحيى ، وهذا يدلّ على أنّ الرؤية القرآنية للمرأة المحافظة على الدين والعبادة حيث ضرب لها كفيلها زكريا من دون الناس حجاباً عندما أدركت وبلغت ، فكانت تعبد الله تعالى ولا يدخل عليها إلاّ زكريا .
فمريم رغم البيئة غير المتديّنة {كَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} ، وقال عنها الله تعالى : {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ}(9).اذن نرى هناان االهوية الانسانية التكامليةهو مايمكن ان نستنبطةمن نصوص القران الكريم والاحاديث الشريفةالتي وردت عن رسول اللة صلى اللة علية والة بخصوص فاطمة الزهراء وهوجانب الكمال في الهوية الانسانية فالاسلام اراد ان يعطي هذة الصورة وهذا الفهم حول هوية المراة في مضمونها وموقعها في مسيرة الحياة الانسانية
نظرة الإسلام للمرأة ودورها في الاسرة
وهكذا نظر القرآن الكريم إلى المرأة على أنّها مستقلّة في مجال الفكر والمعرفة ، فأعطاها استقلالها في المعرفة ، ونظر إليها على أنّها صاحبة رأي وحكمة .
وهذا يمكن معرفته من تجربة بلقيس بنت شرحبيل (ملكة اليمن) ، التي عرض القرآن لنا تجربتها على أنّها تجربة إنسانية قابلة لأن تكون مورداً للتأسي والاقتداء ، وقد نظر القرآن لها بعين الرضى والقبول حيث لم يقابلها بالنقد والتجريح .
فقد كانت حكمة بلقيس قد تجلّت في استشارتها لمجلسها الذي شكّلته من عدد أفراد القبائل التي كانت ساكنة باليمن ، وفي خضوعها للحقّ من دون مكابرة عندما بيّن لها أن الذي يدعوها للدخول في الدين الجديد هو نبي من أنبياء الله تعالى ، فقد قال تعالى على لسان بلقيس : {قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلاَُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ}(10) ، فهي الملكة والأمر أمرها ولكن لم تتخذ قراراً إلاّ بعد التشاور .
يتبيّن دور المرأة في الأُسرة لوظائفها الخاصة من نواحي متعددة :
أولها : أنّها زوجة صالحة ، يسكن إليها الزوج حيث يكون الإيمان بالله والعلم الذي تحصل عليه نتيجة ندب الإسلام إليه ، هما القائدان لها لأن تكون زوجة صالحة في بيت الزوجية يسكن إليها الزوح .
قال الله تعالى : {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْس وَاحِدَة وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا}(11) .
وقال سبحانه : {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}(12) .
فالعلاقة الزوجية هدفها السكن (الاطمئنان) لكلا الطرفين ، فكلّ طرف يجد راحة وسعادة في بيت الزوجية بسبب وجود الآخر .
وكلامنا بما أنّه في الزوجة ، فيجب أن تكون الزوجة صالحة توفّر السكن والاطمئنان للزوج وتسعى لنشر السعادة والهدوء في بيت الزوجية ، فيترقّب منها أن تأتي بكلّ ما من شأنه توفير هذه الحالة .
ومن مميّزات صلاح المرأة أنّها ذات دين تحفظ الزوح إذا غاب عنها في نفسها وماله ، وتسرّه إذا حضر عندها ، وتطيعه إذا أمرها . العمل الشاملة للذكر والاُنثى ، هناك إشارات قرآنية تدلّ على أنّ المرأة بالخصوص لها الحقّ في مزاولة الأعمال خارج نطاق البيت ، فتشارك في الحياة الاجتماعية كالرجل ، ولكن بشرط العفّة وعدم الانزلاق في ما لا يرضى الله نتيجة أعمالها الاجتماعية .
عمل المرأة إذا جاء ضمن حدود الله في الزيّ والعفّة والعلاقات الزوجية :
لإسلام أقرّ عمل المرأة المهني كالرجل ، فهي يجوز لها أن تستثمر طاقتها ووقتها لإغناء المجتمع بالعمل المنتج ، كالتعليم والتمريض والطبّ والجراحة ، وأعمال الخير والتوعية الاجتماعية ، وغيرها . بل هناك واجبات عامة(13 على الأُمّة والمجتمع ، وهي ما تسمّى بالواجبات الكفائية على الأفراد ، إلاّ أنّها واجبات عينية على الأُمّة ، حيث يكون المخاطب بها المجموع ، فتكون المرأة مشمولة بالعمل لهذه الأعمال الواجبة ، وهذا يقتضي أن يعدّ المجتمع (نساءً ورجالاً) للقيام بأعباء الواجبات العامّة من تعليم عليها وإعداد لها مع الستر والعفّة للنساء ، والدليل على ذلك:
1 ـ قوله تعالى : {لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ}(14) ، فدلّت على جواز اكتسابها بالعمل .
2 ـ عموم وإطلاق الأدلّة الأوليّة على إباحة العمل المهني والاجتماعي للإنسان لكسب المال حيث قال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الاَْرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}15) والمشي في مناكب الأرض يراد منه العمل واستخراج الثروة وابتغاء الرزق ، وهذا يشمل كلّ عمل لم يرد فيه تحريم من الشريعة .
دور الأُسرة في المجتمع الإسلامي
أقول هناك نظرتان :
الاُولى : نظرة تقول بعدم الحاجة إلى العائلة ، فلنا أن نعيش حياة إباحية ونكون سعداء بذلك ، ومعنى ذلك : إنّنا نرجّح من يقول بأنّ الحياة الاُسرية هي حياة وضعية اختارها الإنسان وليست حياة طبيعية له ، فعلى هذا ستكون العلاقة الجنسية عامة مشتركة بين الأفراد ، ويعيش الرجل منفصلاً عن المرأة ، وهذا يؤدي إلى وجود دور خاصة للأطفال يقوم أفراد معيّنون بتربيتهم وحضانتهم .
أقول : لم يثبت لحدّ الآن وجود عصر من عصور التاريخ لم يعش فيه الإنسان الحياة العائلية ، فحتى القبائل المتوحشة الموجودة في العصر الحاضر ـ والتي تكون نموذجاً لحياة الإنسان القديم ـ لم تكن العلاقة الجنسية بين الذكور والإناث عامة ، بحيث تعيش المرأة منفصلة عن الرجل .
وهذا إن دلّ على شيء إنّما يدلّ على أنّ المشاعر العائلية عند الإنسان الحاصلة من الزواج وعدم الإباحية هو أمر طبيعي وغريزي ، وليس حاصلاً من التمدّن والحضارات الحديثة .
الثانية : نظرة الإسلام التي ترى أنّ سعادة البشرية تكون في الحياة الزوجية العائلية الطبيعية ، وأنّ المجتمع السعيد بلحاظ الحياة الدنيا ـ وبغض النظر عن مسألة الآخرة ـ هو المجتمع المبني من وحدات صغيرد عائلية متماسكة ، وذلك :
1 ـ لأنّ استقرار الحياة ونظامها يتوقّف في نظر الإسلام على الحياة الزوجية العائلية ، فالنظام العائلي هو النظام الأنجح في تأمين ما يحتاج إليه الإنسان من استقرار ونظمها بأحسن وجه .
2 ـ إنّ الحاجات البشرية ليست كلّها عبارة عن حاجات مادية ، فحتى لو فرضنا أنّ مجتمعاً إباحياً استطاع أن يوفّر الحاجات المادية لكلّ أحد بشكل مستقرّ ، فإنّ هذا لا يكفي لإسعاد البشر ، إذ يوجد جانب روحي في البشر يبقى ضماناً ، وهو جانب السكون النفسي والاُلفة والمحبة والحنان ، فإنّ الزوجة إذا لم تُحِسّ بمن يحنّ عليها فلا تشعر بسعادة ، وكذلك الزوج فضلاً عن الأطفال ، فانّهم إذا لم يُحسوا بالمحبة والحنان يكونوا معقّدين في الحياة ، قال تعالى : {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَات لِّقَوْم يَتَفَكَّرُونَ}(16) .
ولهذا فقد جعل الإسلام النفقة والمسكن واجباً على الزوج ، وهذا الوجوب لا يستفاد منه مزيّة للرجل على المرأة التي تحتاج إلى ذلك غالباً ، بل حتى لو كانت الزوجة غنيّة فمع ذلك يجب على الزوج نفقة الزوجة وتهيئة السكن لها ، وما ذاك إلاّ لأن يشعر الرجل بالمسؤولية وبالارتباط بالحياة الزوجية وتكوين الأُسرة التي تكون مفيدة للطرفين ; لما فيها من الحماية والسكن والاستقرار ، فلو فرضنا أنّ المرأة لا تحتاج إلى نفقة وإلى مسكن ، إلاّ أنّها بلاشكّ بحاجة إلى حماية الزوج لها ، وبحاجة إلى السكن الذي هو استقرار روحي ونفسي لها ، ولانجد هذه الفوائد إلاّ بتكوين الأُسرة المتكوّنة من الزواج .
بالإضافة إلى أنّ الأولاد إذا عاشوا في كنف والديهم فسيكونون قد حصلوا على الضمان الكافي لمعيشتهم عيشة يكون الأبوان محامين عنهم عاملين على سعادتهم ، بخلاف دور الرعاية العامة التي تتعرّض لنقص في الحماية على الأطفال ، مثلاً : إذا مرض الطفل في الأُسرة فإنّ الأبوين سيعملان كلّ ما في وسعهما لإنقاذه من المرض
بعرضه على الطبيب وإجراء العملية الجراحية له إن احتاج إليها ، أمّا الطفل في دور الرعاية فلا توجد تلك الحماية له ; لعدم وجود ذلك الحنان الدافع للحماية التامة .
إذن ، استقرار الحياة ونظامها وحاجات البشر تفرض نظام الحياة الزوجية العائلية ، ثمّ إنّ الإسلام جاء لتنظيم هذه الحياة العائلية على أُسس هي :
1 ـ الإيمان بأنّ الحياة الموحّدة بحاجة إلى قيادة موحّدة ، فلابدّ من قيادة في الحياة الزوجية ، ولهذا فرض الإسلام قيادة الزوج على الزوجة ، ولم يفرض قيادة الأب على البنت وقيادة الأخ على الاُخت ، وهذا دليل على أنّ الإسلام يجعل الاُنثى كاُنثى في عرض الرجل في الحقوق البشرية ، ولهذا جعل القيمومة على الزوجية فقط لصالحها وتدبير اُمورها لخصوصية في الزواج تعفي الزوجة من مسؤولية النفقة وترتيب بيت الزوجية .
ثمّ إنّ إعطاء القيادة بيد الزوج قد تمثّل في اُمور عديدة كلّها بيد الزوج على شكل حتم ، مثل النفقة والطلاق والجماع والمهر ، والاذن أو المنع من الخروج من البيت والرجوع في العدّة وأمثالها .
2 ـ الشهوة الجنسية : إنّ الإسلام باعتباره ديناً واقعياً ينظر إلى حاجات الروح والجسم على حدٍّ سواء ، ولا يقبل بإدخال نقص على جانب على حساب جانب آخر ، ولم يكن من دأبه أن يقضي بعض الحاجات دون بعض . بل إنّه دين فطرة يُلبّي جميع الحاجات بشكل مهذّب من دون إسراف . وعلى هذا الأساس كان على الإسلام أن يُلبّي هذه الحاجة الطبيعية ، وتلبيتها عن طريق الإباحية لم يكن صحيحاً على ما مضى في الأساس الأول ، فلبى الحاجة عن طريق سنّ قانون الزواج .
ولأجل أن يؤكّد الإسلام على الاُسلوب الذي يُلبّي الجانب الروحي والنظام ، ولكي يمنع من مفاسد الشهوة الجنسية لو لم يشبع عن طريق محلل ، ورد التأكيد الشديد على الزواج المبكر فضلاً عن أصل الزواج .
وبما أنّ الشهوة الموجودة عند الرجل تفترق عن الشهوة الموجودة عند المرأة ، حيث تظهر الشهوة عند الرجل بصورة فوران ، أمّا الشهوة عند المرأة فتكون تدريجية ، فلهذا الفرق جعل الإسلام الجماع بيد الزوج . وقد وردت روايات كثيرة تحثّ المرأة على التجاوب مع الرجل ، حيث ذكرت الروايات استحباب أن تلزق المرأة جسمها بجسم الرجل وتطيعه ولو كانت على ظهر قتب .
ملاحظة : بالرغم من أنّ الشروط في ضمن العقود إذا كان متعلّقها مباحاً لا تكون مخالفة للكتاب والسنّة ، فهي ليست من قبيل الالتزام بترك الواجب أو فعل الحرام ، ولكن في خصوص الجماع فإنّ الروايات صريحة في قولها : إذا اشترطت المرأة أن يكون بيدها الجماع والطلاق فإنّها خالفت السنّة ، فكأنّ الرواية ترى أنّ إعطاء حقّ الجماع بيد الزوج هو لإشباع القوامية ، ولوجود مقتضى شديد للزوج . وكذا الأمر في الطلاق ، مع أنّ الجماع والطلاق كلاهما مباحان .
ففي معتبرة محمّد بن قيس عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قضى في رجل تزوّج امرأة وأصدقته هي واشترطت عليه أنّ بيدها الجماع والطلاق؟ قال : "خالفت السنّة ، ووليت حقّاً ليست بأهله ، فقضى أنّ عليه الصداق وبيده الجماع والطلاق(17)
ورغم أنّ شهوة الرجل بحالة الثوران فهو يشبع المرأة جنسياً ، إلاّ أنّ الإسلام أخذ احتياطاته في توصية الرجل ، فأوجب المبيت في كلّ أربع ليالي ليلة واحدة ، وأوجب الجماع في حالات خاصّة كلّ أربعة أشهر مرّة ، إلاّ أن تسقط المرأة حقّها ،
الأول : الصبر على عدم العمل الجنسي كصبر عشرة رجال .
الثاني : المرأة لها قوة عشرة رجال في تقبّل العمل الجنسي ، فهي لها قابلية للعمل الجنسي بقدر عشرة رجال ، ولذتها أيضاً كذلك .
وجعل المداعبة مستحبة ، وأن لا يكون عمله كعمل الحمار ، ويوجد في الروايات حثّ على مجامعة المرأة حينما ترغب ، حتى عبّرت بعض الروايات بأنّ إصابة الأهل صدقة .
3 ـ السكينة : إنّ السكينة هي أساس الاُلفة والمحبة والمودّة ، فحيث إنّ الحياة الزوجية تختلف عن حياة التاجر مع عملائه أو ما شابه ، فإنّ الارتباطات بين صاحب المصنع وعملائه يمكن افتراضها ارتباطات محددة قاطعة ، ولكن الارتباطات بين الزوج والزوجة لم يكن الهدف منها اشباع الحاجات المادية كما في صاحب المصنع مع عملائه ، فلاتثمر إذا كانت ارتباطات محددة قاطعة ، بل الهدف من ارتباطات الزوج والزوجة هي مادية وروحية ، والارتباطات الروحية لا يمكن تلبيتها إلاّ إذا قامت حياة على الاُلفة والمحبة والمودة ، والإسلام لكي يحفظ المودة والاُلفة خطا ثلاثة خطوات :
1 ـ قام الإسلام بتحسيس المرأة اتجاه حقوق الزوج تحت عنوان احترامه وتعظيمه وتبجيله فقال : {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} ليقرّر أنّ الرجل هو أقوى الموجودَين .
2 ـ قام الإسلام بتحسيس الرجل اتجاه المرأة عن طريق ترقيق عواطف الرجل أمام المرأة فقال مثل : "اتقوا الله في الضعيفين ، يعني بذلك اليتيم والنساء"(18) .
"إنماالمرأة لعبة من اتخذها فلايضيّعها"(19) .
"أوصاني جبرائيل بالنساء حتى ظننت أنّه لا ينبغي طلاقها إلاّ من فاحشة مبيّنة"(20) .
الوضع الحالي للمرأة بتأثير البيئة الاجتماعية
والعادات والتقاليد
إنّ ما تقدّم عن موقع المرأة في نظام القيم والحقوق والواجبات في الشريعة الإسلامية في مساواتها للرجل في الوظائف العامة ، قد يشكل عليه بما يراه الفرد من الوضع الحالي للمرأة ، حيث تكون أقلّ كفاءة وأهليّة من الرجل في مجالات الوظائف العامة ، فهل هذه الفروق ذاتية بحيث تجعل جنس الرجل أفضل من جنس المرأة؟
أو تكون كفاءة الرجل أكثر من كفاءة المرأة في الوظائف العامة؟
أو تكون أهلية المرأة للمناصب العامة في الدولة أقلّ من أهلية الرجل لتلك المناصب؟
والجواب على ذلك : ما أشار إليه العلامة شمس الدين : من أنّ هذه الفروق بين جنس الذكر وجنس الاُنثى وإن كانت فروقاً موجودة في الوضع الاجتماعي الذي تعيشه أكثر المجتمعات ، إلاّ أنّها ليست فروقاً ذاتية ، بل هي فروق ناشئة من الظروف التربوية والاجتماعية التي أدّت إلى تكوين ثقافة خاصة بالمرأة جعلتها قاصرة عن تنمية وتطوير المواهب والكفاءات التي تتمتع بها بحسب أصل خلقتها ، فتبدو أقلّ أهلية وأقلّ كفاءة من الرجل في بعض المجالات ، أو تبدوا معدومة الأهلية والكفاءة في مجالات أُخرى .
والحقيقة : أنّ تلك الفروق كانت نتيجة ظروف شاذة جعلت منها مخلوقاً شاذاً ومتدنياً بالنسبة إلى الرجل .
وهذه الظروف الشاذة استمرت دهوراً طويلة بحيث كوّنت قاعدة مزوّرة مثّلت تدنّي المرأة في أصل الخلقة وحقيقة الفطرة .
وإذا أردت معرفة الحقيقة فلاحظ امرأة نشأت في مناخ اجتماعي وتربوي يوفّر ثقافة لها كما يوفّرها للرجل ، وكانت الفرص لها مماثلة لفرص الرجال في الوظيفة العامة للإنسان ، فإنّك ترى أنّ المرأة تحصل على مواهب وكفاءات مماثلة لما عند الرجل في الوظائف العامة .
وإذا عكستَ الأمر فجعلتَ الرجل ينشأ في مناخ اجتماعي وتربوي ينتج ثقافة مماثلة لثقافة المرأة المنكمشة الممنوعة عن الأنشطة الاجتماعية والسياسية والثقافية ، فإن هذا الرجل ينشأ معدوم المواهب والكفاءات أو ضعيفها(21) .
الخلاصة : أنّ المجتمعات الإسلامية قديما قد تأثّرت بعادات وأعراف دخيلة ولقد كان هذا التأكيد البالغ من القرآن الكريم والنبي الأعظم ـ صلى الله عليه وآله ـ على شخصية الزهراء عليها السلام، قد أُريد له فيما أُريد توضيح هذا الجانب; لأن النظرة الجاهلية بكل اشكالها قبل الإسلام، كانت تعتبر المرأة ناقصة في الهوية والكمال، وتعيش في ظل الرجل أما الزهراءـ عليها السلام ـ فإن لوجودها ودورها ـ من خلال نظرة الإسلام وتأكيداته ـ أبعاداً اوسع بكثير من هذا البعد، الذي يمكن أن نراه في شخصية السيدة مريم عليها السلام، من خلال ما تحدث عنها القرآن الكريم، أو نراه في شخصية آسية من خلال ما تحدث عنها القرآن كذلك.
فالزهراءـ عليها السلام ـ حينما يصفها النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ بأنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، على ما ورد عنه صلى الله عليه وآله، يراد من ذلك اعطاء وتقديم الأبعاد المتعددة في هذه الشخصية، ومن ثم اعطاء هذه الادوار المتعددة في شخصية المرأة وحركتها في المجتمع والتاريخ، لأن الزهراء هي المثال الصالح لذلك.
الفصل الثاني
المرأة في الغرب
إنّ وضع المرأة الإنساني والحقوقي في الدول غير الإسلامية كان وضعاً شاذاً وظالماً لعدّة دهور من الناحية الاجتماعية والميدانية ومن الناحية القانونية أيضاً ، ولكن عند ظهور النهضة الاُوربية حصلت مراجعة نقدية شاملة لذلك الوضع الشاذّ وغير العادل ، فتغيّرت المواقف الفكرية والأخلاقية في شأن المرأة ، ومن جملتها وضع المرأة في الأُسرة والمجتمع .
وتفعّلت هذه المواقف بسبب تحوّل المجتمع من الحياة الزراعية إلى الحياة الصناعية ، فتسبّب في الهجرة الواسعة من الأرياف إلى المدن ، فدخلت المرأة سوق العمل ، فتولّدت شعارات تنادي بتحرير المرأة وحقوقها ، وانتشرت بصورة واسعة نتيجة غلبة المجال العسكري للدول الاُوربية على غيرها .
وكان من الواجب العمل على إلغاء كلّ ما يرتبط بنقص المرأة عن الرجل ودونيتها في الإنسانية والكرامة ، وإعطاء حقوقها في تقرير مصيرها وتصرّفاتها وأعمالها ، مع الاحتفاظ بدورها في الأُسرة ، والمحافظة على عفّتها وطهارتها .
إلاّ أن الأمر اتجه لتحريرها من دور الأُسرة وسلب العفّة عنها ، فانتقدوا عملها في البيت كزوجة وأمّ ، واعتبروا أنّ مسؤوليتها في الأُسرة هو مظهر عبوديتها ، ونادوا بضرورة رفع القيود الأخلاقية والقانويية التي تحكم وتنظّم علاقات الرجال والنساء .
وساعدهم على ذلك نموّ الصناعة الذي جذب المزيد من اليد العاملة الرخيصة ، فاجتذبت النساء إلى المعامل ، وعزلت المرأة عن بيتها وأُسرتها ، فلا وقت عندها لتوفير الحدّ الأدنى من السكن للزوج وللأولاد ولها أيضاً ، مع اختلاط بلا حدّ بالرجال الأجانب ، مع دعوة إلى تحرير الجسد من القيود الأخلاقية والدينية في المجال الجنسي .
فأدّت هذه الحركات التحريرية في الغرب إلى خلط الغث بالسمين والفاسد بالصالح ، فجعلت المرأة دمية للرجل يستغلها في المعمل ويستمتع بها جنسيّاً باسم التحرّر وإن حصلت على بعض حقوقها في الحياة المعاصرة من عمل وعلم ومشاركة ، إلاّ أنّها فقدت قيمتها وشرفها وطهارتها واُسرتها وسكنها ، فهي زوجة ولكن لا تهتم باُمور الأُسرة والأولاد ، ولا تهتم بالسكن الذي جعله الله لها نتيجة الحياة الزوجية . كما أجازوا لها أن ترافق خليلاً معها تنجب منه الأطفال من غير زواج شرعي ، وما إلى ذلك من اُمور باسم التحرّر .
وعلى هذا فيمكن لنا أن نقول : لقد حوّلوا المرأة من ظلم كانت تعاني منه إلى ظلم آخر أشدّ من الأول باسم تحريرها وإعطاء حقوقها .
وبعبارة أُخرى : أرادوا ـ ولا زالوا يحاولون ـ مساواتها بالرجل في كلّ شيء ، ولا يعبأ بالفوارق الجسمية ـ الفسلجية والسيكولوجية ـ الثابتة بين الرجل والمرأة .
ونحن إذ نقرّ لهم بمساواة المرأة للرجل من الناحية الإنسانية والحقوق الفطرية التي يهدي إليها الدين ، إلاّ أننا كمسلمين وكبشر أيضاً نخالفهم في المساواة الجسدية ، إذ نؤمن ككلّ فرد واقعي بوجود الفوارق الجسمية التي تقتضي تقسيم العمل بنحو ينسجم مع الفرق بحسب الخلقة ، وإلاّ فإذا نظرنا إلى المساواة في كلّ شيء ، فإنّ النتيجة ستكون تردي الحالة النفسية والأخلاقية للمرأة حتماً .
نظرة الغرب السلبية للمرأة المسلمة وردّها
1 ـ يصوّر أنصار حقوق المرأة في الإعلام الخارجي صوراً فكاهية للمرأة وهي تكره العائلة ، كما أنّها تكره الرجل ، بل تمتعض من الجنس .
2 ـ أما الإعلام الشعبي فيصوّر المناصرون للمرأة وهم يحتقرون النساء اللاتي يتجهنّ بكل وقتهن لممارسة أدوار الاُمهات وربّات المنازل .
3 ـ كما يصوّر الكاريكاتور الغربي "المرأة المسلمة وهي ترتدي الحجاب" على أنّه وصمة عار .
4 ـ كما يصوّر الكاريكاتور الغربي "المرأة المسلمة وهي ترتدي الحجاب" على أنّها كائنة مضطهدة ، لا تملك أيّ وسيلة للتعبير عن نفسها بحرية .
5 ـ كما إنّ الغرب يفهم من قوامية الرجل على زوجته ، التقليل من شأن المرأة ، واتخاذها مادة هزيلة لأغراض الرجل .
أولاً : يرد على الفقرة الاُولى عدّة ملاحظات :
أ ـ أثبتت الأبحاث الطبية والنفسية والاجتماعية والعلمية أنّ الرغبة الجنسية هي حاجة طبيعية يجب إشباعها ، وليس من الصحيح كبتها ، وليس من الصحيح أن يصوّر الإنسان الذي يسعى لأجل إشباعها على أنّه رجل منحرف وشيطان .
وعلى هذا ليس من يسعى إلى تأمين ما يحتاج إليه من جنس يكون مرتكباً للكبائر من الذنوب أو متّجهاً إلى القذارة والانحطاط ، بل يكون متّجهاً للشفاء من الكآبة والاضطرابات العقلية الحادة ، لذا فقد وردت الآثار الشرعية الكثيرة الحاثّة على الزواج وجعلته إحرازاً لنصف الدين ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : "من تزوّج فقد أحرز نصف دينه" وقال الكليني : (وفي حديث آخر) "فليتق الله في النصف الآخر"(22) .
وقد كتبت المتخصّصة في علم النفس "إيفاهنريت مون" : بأنّه حتى حينما يكون مزاج المرء سيئاً وحينما تكون العلاقة بين الأبوين ليست على ما يرام ، فإنّ على الأبوين أن يحاولا ممارسة الجنس ; لأنّ ذلك سيساهم بنسبة ما في بناء محيط دافيء ، ليبدّل العلاقة الباردة والمرّة بأُخرى أحلى وأكثر دفئاً(23) .
إذن الجنس فعل إيجابي يجب التشجيع على ممارسته ، والإرشاد إليه عن طريق الهدي الرباني .
ب ـ إنّ هذه الرغبة الجنسية هي ثنائية المصدر ، أي أنّها حاجة طبيعية من الجانبين ، فليس الرجل هو يحتاج إلى هذه العملية دون المرأة ، ولا المرأة تحتاج إليها دون الرجل ، وهذا أمر واضح ، اذن الحاجة من الاثنين .
وهي حاجة طبيعية مستمرة ، لذا تبنّى البشر على طول التاريخ مؤسسة الأُسرة ـ العائلة ـ لأنّه يستطيع كلا الطرفين إلى إشباع حاجاتهما العاطفية والمادية والجنسية عن طريق الأُسرة ـ العائلة ـ التي تعيش انسجاماً قلبياً في ظلّ ظروف بهيجة ، تزداد ازدهاراً مع حفظ العفّة .
وهكذا دعا الإسلام إلى الحياة الاُسرية من طريق الزواج ، خلافاً للإباحيين والشيوعيين الذين يستهينون بالقيم الاُسرية ،
الدور السياسي للمرأة
الدور السياسي الخاص الذي يمكن أن تقوم به المرأة في المجتمع الاسلامي، فلقد أُريد من المرأة أن تدخل العمل السياسي، وتمارس هذا الدور المهم في الاعمال السياسية وفي المجتمعات الانسانية. المرأة في هذا المجال كالرجل، تتحمل المسؤوليات الخاصة في خدمة المجتمع والتضحية من أجله، والجهاد في سبيل الله تعالى وفي البذل والعطاء إلى حد الاستشهاد في سبيل الله تعالى، فلابد للمرأة أن تقوم بهذا الدور أداءاً للواجب والتكليف، حسب القانون الالهي والاحكام الشرعية التي وضعها الشارع المقدس لها، وهو من الادوار التي فتحت أمام المرأة في حركتها(24)
إن تضحية الزهراءـ عليها السلام ـ كانت من اجل نصرة امامة الامام علي عليه السلام، وترسيخ مبدأ الولاية، والدفاع عن هذا الحق الذي أُريد له أن يثبت في التاريخ ويستمر، وإن لم يحصل ـ عليه السلام ـ على موقعه المطلوب منذ اليوم الأول، فنجد الزهراء ـ عليها السلام ـ تبادر إلى هذا الدور، وتنهض به بأفضل ما يمكن أن يؤديه الإنسان، في ظرف حساس يمكن لنا أن نقول إنه لم يكن من الممكن لغير الزهراءـ عليها السلام ـ أن يقوم فيه.
ومع وقفة عند هذه النصوص الواردة عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ في الزهراء، مثل قوله: ((إن الله يغضب لغضب فاطمة))، يتبين لنا أن الله سبحانه وتعالى قدّر في قضائه وقدره، أن فاطمة الزهراءـ عليها السلام ـ سوف تمر بأوضاع سياسية واجتماعية تثار فيها الزهراء، وتغضب لله تعالى لا لنفسها، ولذلك يغضب الله تعالى لغضبها ويرضى سبحانه وتعالى لرضاها عليها السلام.
وعلى خطى الزهراء ـ عليها السلام ـ كان دور المرأة في الثورة الحسينية، باعتبار أن الثورة الحسينية ـ كما هو معروف ـ مثلت القمة في التضحية والفداء والبذل والعطاء في حركة الانسان السياسية والاجتماعية. وقد شاركت المرأة الرجل مشاركة فعالة في كل الأدوار التي قام بها في الثورة الحسينية، وكان لهذا الدور خمسة أبعاد هي: البعد القتالي، والبعد السياسي، والبعد الاعلامي، والبعد الانساني، والبعد الاخلاقي والمعنوي العام، وهي ابعاد رئيسية ومهمة نهضت بها المرأة في هذه الثورة الخالدة.
إذن المرأة يمكنها في تفاصيل حياتنا الفعلية الحاضرة أن تقوم بالكثير من الادوار الهامة، في هذه المعركة الجهادية وفي صراعنا الذي نخوضه كمسلمين ضد الطغيان والكفر العالمي، وضد الاستكبار والاستبداد.
فيمكن للمرأة أن تساهم مساهمة فعالة وحقيقية في الفعاليات الجهادية طبقاً للاحكام الشرعية، وضمن المواصفات الشرعية التي حددتها الشريعة الاسلامية المقدسة، مع ملاحظة أن قسماً من هذه الاعمال يتحملها الرجل وحده، في حين أن هناك اعمالاً تتحملها المرأة وحدها، واعمال اخرى يتحملها الاثنان.
الدور الرابع : دور المرأة في الاسرة
إن النظرية الاسلامية في فهمها للمجتمع الانساني ورؤيتها لتركيبته العامة، ترى أن اللبنة الاساسية في هذا البناء الاجتماعي والتي تشكل الوحدة المركزية فيه هي الأسرة.
النظرية الاسلامية ترى أن الاسرة تمثل وحدة رئيسية ومركزية في بناء المجتمع، ولا يمكن أن يبنى المجتمع الصالح ويتكامل دون أن تبنى الاسرة الصالحة، ومن هنا نجد أن الإسلام طالما أكد على اهمية دور الاسرة في المجتمع، على خلاف رؤية المجتمعات والحضارة الغربية، التي لا ترى للاسرة مثل هذا الدور المهم في بناء المجتمع وقوته وتكامله.
فالاسلام يرى أن قوة الاسرة وصلاح الاسرة وتماسكها وتكاملها واتصافها بالمواصفات المطلوبة، هي التي تمكنها من أن تحول المجتمع إلى مجتمع صالح متكامل. ولا شك أن الزوجة الام تمثل الركن الرئيس في الاسرة وبنائها، إن لم نقل الركن الاهم في هذا البناء من الناحية الداخلية والذاتية. ولعل هذا هو السر في التركيز الخاص على شخصية الزهراء ـ عليها السلام ـ في تفاصيل دورها في الاسرة.
وفي هذا المجال أود أن انبّه لنقطة مهمة جداً في شخصية الزهراءـ عليها السلام ـ لم توجد في غيرها من النساء الصالحات اللاتي تحدث عنهن القرآن الكريم، وتحدث عنهن الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله، من قبيل آسية ومريم بنت عمران ـ عليها السلام ـ التي لم تحصل لها ظروف اسرة كاملة، كما لم تحصل لآسيا زوجة فرعون ظروف اسرة كاملة وصالحة في حركتها، حيث كانت زوجة لكن لم يكن لها اولاد، وكانت زوجة لكنها زوجة لطاغية، ولم تكن قادرة على أن تعبر عن تلك العلاقة القوية في إحكام الاسرة وعلاقات الاسرة وبنائها.
وأما خديجةـ عليها السلام ـ فقد كان لها دور الاسرة، فهي زوجة لرسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ وأم لذريته; لأنها أم الزهراء ـ عليها السلام ـ فهي تشبهها من هذه الناحية ، ولكن الزهراءـ عليها السلام ـ امتازت على أمها خديجة بالأدوار الاخرى التي مارستها في حياتها، والتي استطاعت أن تحفظ في شخصيتها قضية الموازنة بين هذه الادوار، والموازنة غاية في الأهمية بالنسبة لحركة المرأة.
فبعض النسوة قد يوفقن لأن ينهضن بدور مهم في الجانب الاول، أو في الجانب الثاني في العبادة وفي جهاد النفس والقيام بالاعمال الصالحة، ثم الوصول إلى الكمالات العالية، وقد يكون لهن دور مهم في الجانب الثالث، في الرعاية المنزلية وفي ترتيب وضع الاسرة وجعلها اسرة قوية صالحة، والبعض منهن يكون دورهن الكبير في موضوع التضحية والفداء، لكن الجمع
بين كل هذه الادوار، وايجاد حالة الموازنة بين هذه الاعمال وهذه الادوار هي قضية هامة جداً، وفي فهمنا للدور الكامل للمرأة أنه كلما تمكنت المرأة من أن تقترب في صورتها النموذجية، التي تكون الزهراءـ عليها السلام ـ فيها قدوتها وأسوة لها في هذه الحركة التكاملية، تمكنت من أن تقترب من حالة المحافظة على هذه الموازنة، بمعنى أن تكون لها مساهمة فعالة في كل هذه الادوار، وتكون المرأة في صورتها أقرب إلى الكمال نحو الزهراء عليها السلام، وكلما ابتعدت عن هذه الموازنة كانت بعيدة عن حالة الكمال.
أقول ربما لا تتهيأ للمرأة فرص أن تمارس الدور الرابع (دور الأسرة); لأن هذا الدور من الأمور التي لا تكون دائماً في اختيار المرأة، فربما لا تتزوج المرأة، أو تتزوج ولا يكون لها أولاد، وربما لسبب ما لا يكون الزواج ناجحاً، وغير ذلك مما يمكن ألاّ يكون في اختيار المرأة وقدرتها، ولذلك فأنا اشير إلى الحالة الغالبة، وهي أن المرأة عندما تكون في دور الاسرة، يكون أمامها فرص أُخرى مهيأة، كما كان الامر بالنسبة للزهراءـ عليها السلام، فهي ربة بيت تطحن الحنطة في بيتها وتنظف البيت، وهي في نفس الوقت المرأة العالمة الفاضلة التي كانت قادرة على تعليم الناس، فلم تطلب مثلاً جارية لتدبير امور المنزل، لتقول مثلاً أريد أن اتفرغ للعلم والتعليم، وإنما عبرت عن هذا الجانب في كمالها في حفظ الموازنة بين ادارة البيت والعلم ، وكما عبرت عن ذلك في عبادتها وزهدها وتواضعها، وفي مساهماتها في العمل الاجتماعي والسياسي العام.
ربما لا تتهيأ فرصة للعمل الاجتماعي لبعض النساء، أو لا تتهيأ لها فرصة للعمل الجهادي، فيكون الاهتمام في الجانب الاجتماعي أو في العمل الثقافي أو العمل العبادي حسب الفرص المتاحة لها. المهم للمرأة أن تسعى لاستثمار الفرصة الحاصلة من خلال الإمكانات الموجودة، وأن تواكب في حركتها التكاملية هذه الفرص، وتوازن بين هذه الأدوار الأربعة التي ذكرتها؛ لأجل أن تكون امرأة كاملة في هذه الحركة.
إذاً المرأة في شخصيتها وفي هويتها هي شخصية كاملة وجسدت هذا الكمال وعبّرت عنه. وانطلاقاً من هذا الفهم لشخصية المرأة في الحياة الانسانية، يمكن أن نقول بأن المرأة تتحمل المسؤوليات العامة في المجتمع الانساني، كما يتحملها الرجل على حد سواء. وقد يختلف الحال في تقسيم الادوار، فيكون لشخص ما دور ما ولشخص آخر دور آخر وهكذا، لكن من حيث الاساس في حركة المجتمع تكون الواجبات واجبات مشتركة، ولذلك كانت الواجبات العامة، كالصلاة والصوم والحج والزكاة وغيرها من الواجبات العامة ، التي يؤكد الحديث الشريف على أنها اركان الإسلام، ومما قام عليها الإسلام، يتساوى فيها كل من الرجل والمرأة، فكما تجب الصلاة على الرجل تجب على المرأة ايضاً، وكما وجبت الزكاة على الرجل وجبت على المرأة. لقد اراد الله تبارك وتعالى لهذا الانسان أن يتحرك باتجاه الكمالات المطلقة، التي يتصف
بها الله سبحانه وتعالى. وبطبيعة الحال لا يمكن للانسان أن يصل إلى ذلك الكمال المطلق، وإنما أُريد له أن يتحرك باتجاه ذلك الكمال، باتجاه العلم لأجل أن يكون في صراط العلم الالهي الكامل، وأُريد له أن يتحرك باتجاه الجود وفي طريق الاحسان والخير، وباتجاه كل ما يوصله للكمالات الالهية من خلال الخلوص في العبودية لله سبحانه وتعالى، كما يبيّن ذلك القرآن الكريم: (وما أُمروا إلاّ ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ولقد مثلت الزهراء عليها السلام كل الكلام الذي تقدم في بحثنا هذا وهي التي كانت معبرة عن اصدق معاني الاخلاق في التربية ووضعت اثار في تربية مجتمع لم يعرف ها ويشعر بفقدانها الا بعد مرور اجيال واجيال
فسلام عليها يوم ولدت ويوم رحلت تشكو للة مافعل القوم بها من اسقاط جنينها وكسر ظلعها ويوم تبعث لتشفع لشيعتها ومحبيها فياليتنا كنا من اولئك .......
المصـــــــــــــــــــــــــادر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـوسائل الشيعةـــمحمد بن الحسن الحر العاملي. ج /14باب 11الحديث /2طبعة ايران 1400هجري
2ـسورة التحريم/
3ـتفسير الميزان للعلامة الطبطبائي ج/19/ص346بيروت 2003
4ـالزخرف /اية51
5ـالعلامة الطبرسي مجمع البيان /ج9ص479
6ــ تفسير الميزان للعلامة الطبطبائي/ج14ص28و29
7ـالتحريم/اية12
8ـال عمران /اية39
9ـال عمران/اية43
10ـالنمل/اية32
11ـالاعراف/اية189
12ـالروم/اية 21
13ـ الدفاع عن الدين الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
14ـالنساءـاية 32
15ـالمللك/اية 15
16ـالروم/اية21
17ـوسائل الشيعة/للحر العاملي ج15باب29من المهور حديث واحد
18وسائل الشيعة/ج14باب86 حديث2