الجزء الثاني من بحث عبد الباسط خير الدين الخفاجي
دلائل الأعماق :-
امر نادر شاه ان تقام صلاه الجمعه في جامع الكوفه الذي هو على بعد بضعه اميال عن النجف, وطلب من السويدي ان يحضر الصلاه لكي يسمع بأذنه مدح الصحابه من قبل خطباء الشيعه ,وفي صباح يوم الجمعه ذهب الجميع الى الجامع وصعد السيد نصر الله الحائري , فالقى خطبه اثنى فيها على الخلفاء الاربعه واحداً بعد الاخر , كما اتى على بقيه الصحابه واهل البيت ثم دعا للسلطان العثماني ولنادر شاه من بعد .
ومما يذكر ان الحائري حين وصل الى ذكر الخليفه الثاني عمر كسر اخره مع العلم ان هذا غير جائز حسب قواعد النحو لأن اسم عمر ممنوع من الصرف ولا ندري هل ان الحائري فعل ذلك سهواً ام عن قصد , وقد امتعض السويدي من ذلك كل الامتعاض واعتبر عمل الحائري دسيسه مقصوده اراد بها ذم الخليفه عمر انه قال ما نصه :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عبد الله السويدي (المصدر السابق ) ص 25
(( لكنه كسر الراء من عمر مع ان خطيب امام في العربيه لكنه قصد دسيسه لايهتدي اليها الا الفحول وهي ان منع صرف عمر انما كان للعدل والمعرفه , فصرفه هذا الخبيث قداً الى انه لا عدل فيه ولا معرفه قاتله الله من خطيب واخزاه ومحقه واذله في دنياه وعقباه ..(1)
ان هذا دليل على التقارب الطائفي الذي حصل في مؤتمر النجف كان سطحياً ولم يتغلغل في اعماق القلوب
فقد بقي سوء الظن يلعب دوره على الرغم من الفرح الظاهر, ولهذا كان السويدي يراقب كل كلمه تفوه بها الحائري في خطبته ويدقق في فحصها ولمل لم يجد في تلك الخطبه سوى تلك الهنه البسيطه-وهي كسر راء عمر – انتهزها فرصه واخذ يبالغ فيها ويستنتج منها ما توحي به روح الخصومه القديمه, لقد كان المفروض فيه لو كان حسن الظن أن يفسر الامر تفسيراً حسناً , ولكنه لم يفعل مما يدل على ان شحناء دامت قروناً لا يمكن ان تزول فجأه.
وهناك دليل اخر يمكن ان يؤتى به في هذا الصدد هو ان السويدي حين عزم على مغادره النجف بعد انتهاء المؤتمر اجرى مناقشه مع ((الملا باشي )) حاول فيها البرهنه على ان الشيعه ليسوا على مذهب جعفر الصادق . وهذا كما لا يخفى يناقض ماتم الاتفاق عليه في مؤتمر النجف كل المناقضهوفيما يلي نص ماقاله السويدي في اخر مذكرته : (( ان المذهب الذي تتعبدون عليه باطل لايرجع الى اجتهاد مجتهد .. وليس لجفر الصادق فيه شيء , وانتم لاتعرفون مذهب جعفر الصادق , فان قلتم فيه ان في مذهب جعفر الصادق تقيه فلا انتم ولا غيركم يعرف مذهبه ..اذ كل مسأله تنسب اليه يحتمل ان تكون تقيه , اذ لا علاقه تميز بين ماهو للتقيه وبين غيره غيره فان قلتم ليس في مذهب جعفر الصادق تقيه فهو ليس المذهب الذي انتم عليه لأنكم تقولون بالتقيه (2)
مصير الحائري :-
كان مؤتمر النجف قد عقد في اواخر شهر شوال أي انه كان قريباً من موسم الحج , فاراد نادر شاه اغتنام الفرصه حيث بعث السيد نصر الله الحائري الى مكه وارسل معه نسخه من المحضر الذي تم الاتفاق عليه في المؤتمر , كما ارسل كتباً الى الشريف مسعود امير مكه والى المفتي والقاضي هنالك يقول لهم فيها انه بعث اليهم امام المذهب الجعفري لتنفيذ قرارات المؤتمر .
وعندما وصل الحائري الى مكه سُمح له باقامه الصلاه والقاء الخطبه في الركن الشامي من الكعبه -حسبما ورد في قرارات المؤتمر – ولسنا ندري كيف كانت خطبه الحائري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المصدر السابق ص 26-27
(2) المصدر السابق ص 29
هناك وهل كسر راء عمر ام لا , انما الذي نعرفه ان اهل مكه هاجموا وماجوا (1) , مما جعل الشريف مسعود يتدخل في الامر وان يكتب للسلطان يخبره بما وقع ويخيل لي ان للشيخ عبد الله السويدي يداً في ذلك اذ انه كتب في ختام مذكراته عن المؤتمر قائلاً (( فلأجل هذ الذي حدث عزمت على الحج اللهم يسر ذلك ))(2)
وصل المرسوم العثماني من اسطنبول وفيه أمر الى الشريف مسعود بأن يلقي القبض على الحائري وان يسلمه الى امير الحج الشامي اسعد باشا العظيم لكي يأخذه هذا معه الى الشام ويسجنه في قلعه دمشق , وبعد ان اودع الحائري في سجن القلعه طلبه السلطان فسيق الى اسطنبول (3).
ان ما جرى على الحائري في اسطنبول غير معروف على وجه الدقه ,
فمؤلف ((روضات الجنات)) يقول : ان نادر شاه هو الذي اوعز الى الحائري بان يذهب الى اسطنبول بعد الحج لمصاح تتعلق بامور الملك والمله, ولكن الحائري حين وصل الى اسطنبول وشي به السلطان بفساد المذهب وامور اخرى فأحضر واستشهد ...))(4)
وحدثني الدكتور مرتضى نصر الله – وهو من سلاله الحائري – ان الروايه التي تتناقلها الاسره حول مصير جدهم هي انه مات من جراء وضع سم له في الطعام , غير ان جنازته شيعت تشييعاً رسمياً ودفن في قبر لائق به , ولايزال قبره قائماً وقد نصب عليه شباك تتبرك به النساء وينذرون النذور(5)
المحاولة الاخيره:-
في عام 1745 –وبعد مرور بضعه عشر شهراً على مؤتمر النجف – استعرت الحرب من جديد بين نادر شاه والدولة العثمانية على الحدود بالقرب من ارمينا , وكان يقود الجيش العثماني محمد باشا يكن , واشترك فيها من العراقيين الحاج حسن بابا الجليلي , وقد خسر نادر شاه الاُلوف من جنوده في هجمات غير موفقه , ثم وقعت المعركه الفاصله بين الفريقين في شهر اب 1745 , بالقرب من اريوان , حيث استطاع نادر شاه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)محسن الامين (المصدر السابق ) –بيروت 1960ك- ج4 ص 106
(2) عبد الله السويدي (المصدر السابق) ص 29
(3)عباس العزاوي (المصدر السابق ) ج5 ص 270
(4) محمد باقر الخوانساري(المصدر السابق ) ص 727
(5) مما يجدر ذكره في هذا الصدد ان في اسطنبول محله تعرف باسم ( والده خان) واكثر سكانها شيعه من اتراك اذربيجان , والمظنون ان اهل هذه المحله هم من الذين يزورون قبر الحائري ويتبركون به.
ان يوقع بالجيوش العثمانيه هزيم منكره مما ادى الى مقتل القائد محمد باشا يكن بايدي جنوده .
حاولت الدوله العثمانيه اعداد جيوش جديده في سبيل اعاده الكره على نادر شاه , غير انه ابدى رغبته في الصلح وارسل من لدنه وفداً الى اسطنبول للمفاوضه , وجاء الوفد الى بغداد والتقى احمد باشا , وقد بذل هذا الرجل جهداً غير قليل في التوسط من اجل الصلح .
كان الوفد يحمل كتاباً من نادر شاه الى السلطان العثماني جاء فيه : (( نعرض على الهمايون اخلاصنا , ومختلف دعواتنا , والاف التحيات الطيبات اللمزوجه بالحب والاخلاص , وتلبيه لطلب الجميع وتعبيراً عن اراء الجماهير من مقلدي الامام جعفر الصادق رضي الله عنه نقول : من بعد جدوث قضيه القائد محمد باشا اخذنا نفكر في هذه الحروب القائمه بين اهل الاسلام , وكيفيه توقيها واحلال السلام بدلاً من سفك الدماء , هذه الحروب التي سوف لا تبقي على الاخضر واليايبس في حاله استمرارها . فعليه ,ولتوفر حسن النيه وكون الجميع على دين واحدوان الايرانيين الذين يذهبون الى بيت الله الحرام يقومون بتأديه الصلاه والفرائض مقتدين بأي امام من ائمه المذاهب الاربعه مما يجعلهم متحدين ويدً واحده لافرق بين احداً منهم من اجل هذه الروابط الدينيه و الاخويه التمس طلب العفو والمصالحه بين الدولتين وادامه اتفاقها الى يوم القيامه ونأمل من جلالتكم ان توافقوا على ذلك وعدم رد التماسنا ودامت عظمتكم وايام خلافتكم ))
وجاء جواب السلطان على هذا الكتاب وفيه (( .. اننا تلقينا كتابكم الكريم ومما زادنا سروراً ما بذلتموه من جهود في المؤتمر الذي عقدتموه في صحراء مغن , وحدتم به وجهه نظر المسلمين , وازلتم من بينهم النفرهالتي كانت مستحكمه بين الطائفتين , وحملتموهما انتهاج مذهب اهل السنه والجماعه , ورفعتم البدع والاعمال المنكره , وازلتم ماكان يعكر صفو العلاقات من دواعي الخصومه , الامر الذي تلقته الدوله العليه بكل سرور واستحسان . والجل ادامه هذه الصداقه والمحبه الاخويه بين الدولتين فاننا نتمسك بالمواد الخمسه لتكون وسيله لتوثيق عرى الصداقه وادامتها وتجديدها لئلا تقع بعدئذ أُمور توهن من هذه الروابط الاخويه أو تدعو الى التأويل والخصومه... وجعلنا العهود كما كانت على عهد الخاقان سلطان مراد خان الرابع... وما عدا هذا ينبغي افهام الايرانيين بالتي هي احسن بضروره نبذ ماكانوا عليه من ايام الصفويين من بدع , والعوده الى الدخول في مذهب اهل السنه والجماعه , والكف عن سب الخلفاء الراشدين وسائر الصحابه رضوان الله عليهم اجمعين , وان تذكر اسماؤهم بالتعظيم والتوقير , ولكي يعملو في مكه المكرمه وفي المدينه المنوره معامله طيبه تختلف عن معامله بقيه الحجاج والزوار )).
وتم عقد الصلح في يوم النيروز 21 اذار 1747 , وصدر الاعتراف به من قبل حكومه ايرا نحيث جاء فيه .. (( أما بعد فأن ما فعله تاج ملوك ممالك الهند وايران , الخاقان الاعظم والقاءان الاكرم , ظل السبحان , شاه شاهان جهان , السلطان نادر شاه , خلد الله سلطنته وشوكته , في المؤتمر الذي عقده في صحراء مغان من توثيق روابط الاخوه بين الرعايا , مما حمل على التمسك بسلطنته , وحصد مما زرعه اسماعيل الصفوي من الفتن والفساد , والتنافر بين العباد , باسم الطائفيه , مما ادى الى بذر بذور العداء بين الروم والايرانيين , فزال بفضله كل ذلك وحمل الجميع على التاخي بين الجعفريين واهل السنه والجماعه مما اكتسب رضاء الاعلى حضره ... خاقان البحرين وسلطان البرين , ثاني اسكندر ذي القرنين , خليفه ظل الله وبادشاه اسلام يناه .. السلطان الغازي محمود خان ايد الله ملكه وخلافته ودولته , واكتسب موافقته على عقد الاتفاق , وتخصيص ركن من اركان الكعبه المشرفه لصلاه الجعفريين وتعيين امر للحجاج , والسماح بمرورهم بطريق الشام ومصر , واطلاق سراح الاسرى من الجانبين , وتعيين كل دوله وكيلاً لها في عاصمه الدوله الاخرى ..))(1)
نهايه البطل :
ومما يتمتع به نادر شاه بالصلح الذي تم بينه وبين الدوله العثمانيه سوى ثلاثه اشهر , اذ اغتيل في 20 حزيران من العام 1747 .
ومما يذكر انهم حين دخولوا فسطاطه ليلاً بغيه اغتياله استيقظ من النوم وشرع يقاتلهم , ولم يمت الابعد ان قتل اثنين منهم , ومهما يكن الحال فقد مات نادر شاه ميته تليق به . انه عاش مقاتلاً ومات مقاتلاً !
وحين ذاع مقتل نادر شاه بين افراد جيشه شاعت الفوضى بينهم واسرعوا الى خيامه فنهبوها , وبدأ النزاع والقتال بين الشيعه والسنيين منهم , وقد حاول احمد خان الدوراني الذي كان يراس الجنود الافغان والازبك أن يثأر لنادر شاه فلم يوفق , وانسحب بجنوده الى افغانستان حيث اسس دوله قويه هي الدوله الافغانيه التي لا تزال قائمه هناك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)انظر حول تفاصيل المفاوضات والمراسلات بين نادر شاه والدوله العثمانيه كتلب (( دوحه الوزراء )) للشيخ رسول الكركوكلي , ص67-98
لمحات من المدارس الايرانية في العراق قبل عام 1920
وهناك بعض المشاريع التي تم انجازها بسبب توطيد العلاقة بين الشعبين الايراني والعراقي وبسبب وجود الترابط الاسري والاجتماعي استدعى ان تكون هناك بعض المدارس لكثرة الجالية الايرانية في العراق وسوف نستعرض منها ما ورد عن طريق السجلات والكتب القديمة :
مدرسه الاخوه الايرانيه :- (1)
بعد ان توطدت العلاقات العراقيه الايرانيه تم انشاء المدراس ونشطت حركه التعليم بين مختلف الطوائف فقد رأى احد العلماء الافاضل من ايران وهو الحاج علي اكبر الاهرابي يؤيده عدد كبير من التجار الايرانيين الموجودين في الكاظميه رأى ان الضروره تقضي بتأسيس مدرسة لتعليم ابناء الكاظميه العلوم واللغات الحديثه بعد ان حرموا من ذلك قروناً لذا قام عام 1909 بافتتاح مدرسه اسماها ( اخوه ايرانيان) ونظراً للجهود التي بذلها الحاج علي فقد كانت تنسب اليه اذ أخذ الناس يسمونها مدرسه
( الاهرابي ) وقد سارت هذه المدرسه سيراً حسناً اذ اخذت تدرس فيها العلوم المختلفه وهي :-
اللغه العربيه بفرعيها , وعلم الكلام , ونهج البلاغه , والهندسه والجبر والحساب والكيمياء والفيزياء والتاريخ والجغرافيه واللغه الفرنسية والتركية والفارسية والاشغال اليدوية وكان ملاك التدريس فيها منتظماً يضم عدداً من الاساتذه الممتازين وبالنظر لكونها المدرسة المنظمة الوحيدة في الكاظميه فقد دخل فيها عدد كبير من ابناء البلده من العراقيين والايرانيين يذكر ان عدد الطلاب في هذه المدرسة 200 والطالبات 1 فقط.
المدرسة الحسينية :-
وقد تأسست في كربلاء عام 1910 قام بتأسيسها جماعه من الايرانيين وكانت بمستوى المدارس الابتدائيه ايضاً وقد كان عدد الطلاب فيها 100 طالب والطالبات 1 فقط .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)كتاب تاريخ التعليم في العراق في العهد العثماني عبد الرزاق الهلالي
(1638-1917) ط 1959 بغداد
المدرسة العلوية والمدرسة المرتضوية :-
اما في النجف الاشرف فقد قام التجار الايرانيون ايضاً بتأسيس مدرستين عام 1910 هما المدرسة العلوية والمدرسة المرتضوية لنفس الغرض ومما تجدر الاشاره اليه في هذا الصدد هو ان الحكومة الايرانيه لم يكن لها أي دخل بهذه المدارس بل ان الرعايا الايرانيين هم الذين بادروا لتأسيسها والنفاق عليها من كيسهم الخاص ولذلك ماكانت الدراسه مقتصرة على ابناء الجالية الايرانيه فقط ولم تكن الدراسة فيها باللغة الفارسيه بل كانت تجري على نفس النمط المتبع في المدارس الرسمية في دراسات مختلفة تقريباً ان عدد طلاب هذه المدرستين كانت :-
1-المدرسة العلوية 70 طالب والطالبات 1 فقط
2- المدرسة المرتضوية 70 طالب والطالبات 1 فقط
من هذا الفصل الموجز يتضح لنا عمق الترابط العلمي بين ايران والعراق منذ القدم حتى الان ولكن مع الاسف الظروف التي مرت بها الدولتين من سياسة جعلت هذا الترابط
يضعف ولكن بجهود الخيرين سوف ترجع هذه العلاقات الى أوج عظمتها لتثبت للانسانية والعالم اجمع ان الذي اسس هذه الحضارتين باق للابد وان فكر الشعوب لا يمكن ان يزول ما دامت الشعوب متفقه وفيها روح المواطنة واحترام الحضارة والثقافة.
المصادر والمرجعيات
1- نادر شاه من محارب قبلي الى مستبد فاتح (مايكل اكسورتي ترجمة احمد لطفي )
2- لمحات من تاريخ العراق الحديث د. علي الوردي – مطبعة الراشد بغداد 2005
3- مقدمة ابن خلدون تحقيق علي عبد الواحد وافي القاهرة 1962
4- Edward Browne ( A-literyay Histary of Persia)
5- Percyskes (Ahistory of Parsia) London 1958
6- محمد باقر الخونساري روضات الجنان في احوال السادات والعلماء بطهران (1367 هـ )
دلائل الأعماق :-
امر نادر شاه ان تقام صلاه الجمعه في جامع الكوفه الذي هو على بعد بضعه اميال عن النجف, وطلب من السويدي ان يحضر الصلاه لكي يسمع بأذنه مدح الصحابه من قبل خطباء الشيعه ,وفي صباح يوم الجمعه ذهب الجميع الى الجامع وصعد السيد نصر الله الحائري , فالقى خطبه اثنى فيها على الخلفاء الاربعه واحداً بعد الاخر , كما اتى على بقيه الصحابه واهل البيت ثم دعا للسلطان العثماني ولنادر شاه من بعد .
ومما يذكر ان الحائري حين وصل الى ذكر الخليفه الثاني عمر كسر اخره مع العلم ان هذا غير جائز حسب قواعد النحو لأن اسم عمر ممنوع من الصرف ولا ندري هل ان الحائري فعل ذلك سهواً ام عن قصد , وقد امتعض السويدي من ذلك كل الامتعاض واعتبر عمل الحائري دسيسه مقصوده اراد بها ذم الخليفه عمر انه قال ما نصه :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عبد الله السويدي (المصدر السابق ) ص 25
(( لكنه كسر الراء من عمر مع ان خطيب امام في العربيه لكنه قصد دسيسه لايهتدي اليها الا الفحول وهي ان منع صرف عمر انما كان للعدل والمعرفه , فصرفه هذا الخبيث قداً الى انه لا عدل فيه ولا معرفه قاتله الله من خطيب واخزاه ومحقه واذله في دنياه وعقباه ..(1)
ان هذا دليل على التقارب الطائفي الذي حصل في مؤتمر النجف كان سطحياً ولم يتغلغل في اعماق القلوب
فقد بقي سوء الظن يلعب دوره على الرغم من الفرح الظاهر, ولهذا كان السويدي يراقب كل كلمه تفوه بها الحائري في خطبته ويدقق في فحصها ولمل لم يجد في تلك الخطبه سوى تلك الهنه البسيطه-وهي كسر راء عمر – انتهزها فرصه واخذ يبالغ فيها ويستنتج منها ما توحي به روح الخصومه القديمه, لقد كان المفروض فيه لو كان حسن الظن أن يفسر الامر تفسيراً حسناً , ولكنه لم يفعل مما يدل على ان شحناء دامت قروناً لا يمكن ان تزول فجأه.
وهناك دليل اخر يمكن ان يؤتى به في هذا الصدد هو ان السويدي حين عزم على مغادره النجف بعد انتهاء المؤتمر اجرى مناقشه مع ((الملا باشي )) حاول فيها البرهنه على ان الشيعه ليسوا على مذهب جعفر الصادق . وهذا كما لا يخفى يناقض ماتم الاتفاق عليه في مؤتمر النجف كل المناقضهوفيما يلي نص ماقاله السويدي في اخر مذكرته : (( ان المذهب الذي تتعبدون عليه باطل لايرجع الى اجتهاد مجتهد .. وليس لجفر الصادق فيه شيء , وانتم لاتعرفون مذهب جعفر الصادق , فان قلتم فيه ان في مذهب جعفر الصادق تقيه فلا انتم ولا غيركم يعرف مذهبه ..اذ كل مسأله تنسب اليه يحتمل ان تكون تقيه , اذ لا علاقه تميز بين ماهو للتقيه وبين غيره غيره فان قلتم ليس في مذهب جعفر الصادق تقيه فهو ليس المذهب الذي انتم عليه لأنكم تقولون بالتقيه (2)
مصير الحائري :-
كان مؤتمر النجف قد عقد في اواخر شهر شوال أي انه كان قريباً من موسم الحج , فاراد نادر شاه اغتنام الفرصه حيث بعث السيد نصر الله الحائري الى مكه وارسل معه نسخه من المحضر الذي تم الاتفاق عليه في المؤتمر , كما ارسل كتباً الى الشريف مسعود امير مكه والى المفتي والقاضي هنالك يقول لهم فيها انه بعث اليهم امام المذهب الجعفري لتنفيذ قرارات المؤتمر .
وعندما وصل الحائري الى مكه سُمح له باقامه الصلاه والقاء الخطبه في الركن الشامي من الكعبه -حسبما ورد في قرارات المؤتمر – ولسنا ندري كيف كانت خطبه الحائري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المصدر السابق ص 26-27
(2) المصدر السابق ص 29
هناك وهل كسر راء عمر ام لا , انما الذي نعرفه ان اهل مكه هاجموا وماجوا (1) , مما جعل الشريف مسعود يتدخل في الامر وان يكتب للسلطان يخبره بما وقع ويخيل لي ان للشيخ عبد الله السويدي يداً في ذلك اذ انه كتب في ختام مذكراته عن المؤتمر قائلاً (( فلأجل هذ الذي حدث عزمت على الحج اللهم يسر ذلك ))(2)
وصل المرسوم العثماني من اسطنبول وفيه أمر الى الشريف مسعود بأن يلقي القبض على الحائري وان يسلمه الى امير الحج الشامي اسعد باشا العظيم لكي يأخذه هذا معه الى الشام ويسجنه في قلعه دمشق , وبعد ان اودع الحائري في سجن القلعه طلبه السلطان فسيق الى اسطنبول (3).
ان ما جرى على الحائري في اسطنبول غير معروف على وجه الدقه ,
فمؤلف ((روضات الجنات)) يقول : ان نادر شاه هو الذي اوعز الى الحائري بان يذهب الى اسطنبول بعد الحج لمصاح تتعلق بامور الملك والمله, ولكن الحائري حين وصل الى اسطنبول وشي به السلطان بفساد المذهب وامور اخرى فأحضر واستشهد ...))(4)
وحدثني الدكتور مرتضى نصر الله – وهو من سلاله الحائري – ان الروايه التي تتناقلها الاسره حول مصير جدهم هي انه مات من جراء وضع سم له في الطعام , غير ان جنازته شيعت تشييعاً رسمياً ودفن في قبر لائق به , ولايزال قبره قائماً وقد نصب عليه شباك تتبرك به النساء وينذرون النذور(5)
المحاولة الاخيره:-
في عام 1745 –وبعد مرور بضعه عشر شهراً على مؤتمر النجف – استعرت الحرب من جديد بين نادر شاه والدولة العثمانية على الحدود بالقرب من ارمينا , وكان يقود الجيش العثماني محمد باشا يكن , واشترك فيها من العراقيين الحاج حسن بابا الجليلي , وقد خسر نادر شاه الاُلوف من جنوده في هجمات غير موفقه , ثم وقعت المعركه الفاصله بين الفريقين في شهر اب 1745 , بالقرب من اريوان , حيث استطاع نادر شاه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)محسن الامين (المصدر السابق ) –بيروت 1960ك- ج4 ص 106
(2) عبد الله السويدي (المصدر السابق) ص 29
(3)عباس العزاوي (المصدر السابق ) ج5 ص 270
(4) محمد باقر الخوانساري(المصدر السابق ) ص 727
(5) مما يجدر ذكره في هذا الصدد ان في اسطنبول محله تعرف باسم ( والده خان) واكثر سكانها شيعه من اتراك اذربيجان , والمظنون ان اهل هذه المحله هم من الذين يزورون قبر الحائري ويتبركون به.
ان يوقع بالجيوش العثمانيه هزيم منكره مما ادى الى مقتل القائد محمد باشا يكن بايدي جنوده .
حاولت الدوله العثمانيه اعداد جيوش جديده في سبيل اعاده الكره على نادر شاه , غير انه ابدى رغبته في الصلح وارسل من لدنه وفداً الى اسطنبول للمفاوضه , وجاء الوفد الى بغداد والتقى احمد باشا , وقد بذل هذا الرجل جهداً غير قليل في التوسط من اجل الصلح .
كان الوفد يحمل كتاباً من نادر شاه الى السلطان العثماني جاء فيه : (( نعرض على الهمايون اخلاصنا , ومختلف دعواتنا , والاف التحيات الطيبات اللمزوجه بالحب والاخلاص , وتلبيه لطلب الجميع وتعبيراً عن اراء الجماهير من مقلدي الامام جعفر الصادق رضي الله عنه نقول : من بعد جدوث قضيه القائد محمد باشا اخذنا نفكر في هذه الحروب القائمه بين اهل الاسلام , وكيفيه توقيها واحلال السلام بدلاً من سفك الدماء , هذه الحروب التي سوف لا تبقي على الاخضر واليايبس في حاله استمرارها . فعليه ,ولتوفر حسن النيه وكون الجميع على دين واحدوان الايرانيين الذين يذهبون الى بيت الله الحرام يقومون بتأديه الصلاه والفرائض مقتدين بأي امام من ائمه المذاهب الاربعه مما يجعلهم متحدين ويدً واحده لافرق بين احداً منهم من اجل هذه الروابط الدينيه و الاخويه التمس طلب العفو والمصالحه بين الدولتين وادامه اتفاقها الى يوم القيامه ونأمل من جلالتكم ان توافقوا على ذلك وعدم رد التماسنا ودامت عظمتكم وايام خلافتكم ))
وجاء جواب السلطان على هذا الكتاب وفيه (( .. اننا تلقينا كتابكم الكريم ومما زادنا سروراً ما بذلتموه من جهود في المؤتمر الذي عقدتموه في صحراء مغن , وحدتم به وجهه نظر المسلمين , وازلتم من بينهم النفرهالتي كانت مستحكمه بين الطائفتين , وحملتموهما انتهاج مذهب اهل السنه والجماعه , ورفعتم البدع والاعمال المنكره , وازلتم ماكان يعكر صفو العلاقات من دواعي الخصومه , الامر الذي تلقته الدوله العليه بكل سرور واستحسان . والجل ادامه هذه الصداقه والمحبه الاخويه بين الدولتين فاننا نتمسك بالمواد الخمسه لتكون وسيله لتوثيق عرى الصداقه وادامتها وتجديدها لئلا تقع بعدئذ أُمور توهن من هذه الروابط الاخويه أو تدعو الى التأويل والخصومه... وجعلنا العهود كما كانت على عهد الخاقان سلطان مراد خان الرابع... وما عدا هذا ينبغي افهام الايرانيين بالتي هي احسن بضروره نبذ ماكانوا عليه من ايام الصفويين من بدع , والعوده الى الدخول في مذهب اهل السنه والجماعه , والكف عن سب الخلفاء الراشدين وسائر الصحابه رضوان الله عليهم اجمعين , وان تذكر اسماؤهم بالتعظيم والتوقير , ولكي يعملو في مكه المكرمه وفي المدينه المنوره معامله طيبه تختلف عن معامله بقيه الحجاج والزوار )).
وتم عقد الصلح في يوم النيروز 21 اذار 1747 , وصدر الاعتراف به من قبل حكومه ايرا نحيث جاء فيه .. (( أما بعد فأن ما فعله تاج ملوك ممالك الهند وايران , الخاقان الاعظم والقاءان الاكرم , ظل السبحان , شاه شاهان جهان , السلطان نادر شاه , خلد الله سلطنته وشوكته , في المؤتمر الذي عقده في صحراء مغان من توثيق روابط الاخوه بين الرعايا , مما حمل على التمسك بسلطنته , وحصد مما زرعه اسماعيل الصفوي من الفتن والفساد , والتنافر بين العباد , باسم الطائفيه , مما ادى الى بذر بذور العداء بين الروم والايرانيين , فزال بفضله كل ذلك وحمل الجميع على التاخي بين الجعفريين واهل السنه والجماعه مما اكتسب رضاء الاعلى حضره ... خاقان البحرين وسلطان البرين , ثاني اسكندر ذي القرنين , خليفه ظل الله وبادشاه اسلام يناه .. السلطان الغازي محمود خان ايد الله ملكه وخلافته ودولته , واكتسب موافقته على عقد الاتفاق , وتخصيص ركن من اركان الكعبه المشرفه لصلاه الجعفريين وتعيين امر للحجاج , والسماح بمرورهم بطريق الشام ومصر , واطلاق سراح الاسرى من الجانبين , وتعيين كل دوله وكيلاً لها في عاصمه الدوله الاخرى ..))(1)
نهايه البطل :
ومما يتمتع به نادر شاه بالصلح الذي تم بينه وبين الدوله العثمانيه سوى ثلاثه اشهر , اذ اغتيل في 20 حزيران من العام 1747 .
ومما يذكر انهم حين دخولوا فسطاطه ليلاً بغيه اغتياله استيقظ من النوم وشرع يقاتلهم , ولم يمت الابعد ان قتل اثنين منهم , ومهما يكن الحال فقد مات نادر شاه ميته تليق به . انه عاش مقاتلاً ومات مقاتلاً !
وحين ذاع مقتل نادر شاه بين افراد جيشه شاعت الفوضى بينهم واسرعوا الى خيامه فنهبوها , وبدأ النزاع والقتال بين الشيعه والسنيين منهم , وقد حاول احمد خان الدوراني الذي كان يراس الجنود الافغان والازبك أن يثأر لنادر شاه فلم يوفق , وانسحب بجنوده الى افغانستان حيث اسس دوله قويه هي الدوله الافغانيه التي لا تزال قائمه هناك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)انظر حول تفاصيل المفاوضات والمراسلات بين نادر شاه والدوله العثمانيه كتلب (( دوحه الوزراء )) للشيخ رسول الكركوكلي , ص67-98
لمحات من المدارس الايرانية في العراق قبل عام 1920
وهناك بعض المشاريع التي تم انجازها بسبب توطيد العلاقة بين الشعبين الايراني والعراقي وبسبب وجود الترابط الاسري والاجتماعي استدعى ان تكون هناك بعض المدارس لكثرة الجالية الايرانية في العراق وسوف نستعرض منها ما ورد عن طريق السجلات والكتب القديمة :
مدرسه الاخوه الايرانيه :- (1)
بعد ان توطدت العلاقات العراقيه الايرانيه تم انشاء المدراس ونشطت حركه التعليم بين مختلف الطوائف فقد رأى احد العلماء الافاضل من ايران وهو الحاج علي اكبر الاهرابي يؤيده عدد كبير من التجار الايرانيين الموجودين في الكاظميه رأى ان الضروره تقضي بتأسيس مدرسة لتعليم ابناء الكاظميه العلوم واللغات الحديثه بعد ان حرموا من ذلك قروناً لذا قام عام 1909 بافتتاح مدرسه اسماها ( اخوه ايرانيان) ونظراً للجهود التي بذلها الحاج علي فقد كانت تنسب اليه اذ أخذ الناس يسمونها مدرسه
( الاهرابي ) وقد سارت هذه المدرسه سيراً حسناً اذ اخذت تدرس فيها العلوم المختلفه وهي :-
اللغه العربيه بفرعيها , وعلم الكلام , ونهج البلاغه , والهندسه والجبر والحساب والكيمياء والفيزياء والتاريخ والجغرافيه واللغه الفرنسية والتركية والفارسية والاشغال اليدوية وكان ملاك التدريس فيها منتظماً يضم عدداً من الاساتذه الممتازين وبالنظر لكونها المدرسة المنظمة الوحيدة في الكاظميه فقد دخل فيها عدد كبير من ابناء البلده من العراقيين والايرانيين يذكر ان عدد الطلاب في هذه المدرسة 200 والطالبات 1 فقط.
المدرسة الحسينية :-
وقد تأسست في كربلاء عام 1910 قام بتأسيسها جماعه من الايرانيين وكانت بمستوى المدارس الابتدائيه ايضاً وقد كان عدد الطلاب فيها 100 طالب والطالبات 1 فقط .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)كتاب تاريخ التعليم في العراق في العهد العثماني عبد الرزاق الهلالي
(1638-1917) ط 1959 بغداد
المدرسة العلوية والمدرسة المرتضوية :-
اما في النجف الاشرف فقد قام التجار الايرانيون ايضاً بتأسيس مدرستين عام 1910 هما المدرسة العلوية والمدرسة المرتضوية لنفس الغرض ومما تجدر الاشاره اليه في هذا الصدد هو ان الحكومة الايرانيه لم يكن لها أي دخل بهذه المدارس بل ان الرعايا الايرانيين هم الذين بادروا لتأسيسها والنفاق عليها من كيسهم الخاص ولذلك ماكانت الدراسه مقتصرة على ابناء الجالية الايرانيه فقط ولم تكن الدراسة فيها باللغة الفارسيه بل كانت تجري على نفس النمط المتبع في المدارس الرسمية في دراسات مختلفة تقريباً ان عدد طلاب هذه المدرستين كانت :-
1-المدرسة العلوية 70 طالب والطالبات 1 فقط
2- المدرسة المرتضوية 70 طالب والطالبات 1 فقط
من هذا الفصل الموجز يتضح لنا عمق الترابط العلمي بين ايران والعراق منذ القدم حتى الان ولكن مع الاسف الظروف التي مرت بها الدولتين من سياسة جعلت هذا الترابط
يضعف ولكن بجهود الخيرين سوف ترجع هذه العلاقات الى أوج عظمتها لتثبت للانسانية والعالم اجمع ان الذي اسس هذه الحضارتين باق للابد وان فكر الشعوب لا يمكن ان يزول ما دامت الشعوب متفقه وفيها روح المواطنة واحترام الحضارة والثقافة.
المصادر والمرجعيات
1- نادر شاه من محارب قبلي الى مستبد فاتح (مايكل اكسورتي ترجمة احمد لطفي )
2- لمحات من تاريخ العراق الحديث د. علي الوردي – مطبعة الراشد بغداد 2005
3- مقدمة ابن خلدون تحقيق علي عبد الواحد وافي القاهرة 1962
4- Edward Browne ( A-literyay Histary of Persia)
5- Percyskes (Ahistory of Parsia) London 1958
6- محمد باقر الخونساري روضات الجنان في احوال السادات والعلماء بطهران (1367 هـ )